line1أخبار البعثمساحة حرة

في ذكرى التصحيح الخامسة والأربعين.. سورية ستبقى قلب العروبة النابض

 

ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين لقيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد، مستذكرين إنجازاتها الوطنية والقومية، ودروسها الفكرية والسياسية، لا بد من التأكيد على عظمة هذا الحدث التاريخي الذي لا نبالغ إذا قلنا إنه لم يكن حدثاً حزبياً صحح مسيرة الحزب، وأعاد بناء علاقته التفاعلية بالجماهير فقط، بل كان حدثاً وطنياً وقومياً عميق الأثر، أعاد إنتاج الوطنية السورية في جوهرها الاستقلالي والعروبي المقاوم، وأقام النموذج الواقعي للدولة الوطنية حاملة المشروع القومي العربي، هذه الدولة التي تصدت بشجاعة لمقاومة المشروع الامبريالي الصهيوني، ما شكّل استثناءً عربياً أقض مضاجع الرجعية العربية العميلة، وأثار حفيظة سيدها الأمريكي وحليفها الصهيوني، فشنّوا عليها حرباً إرهابية تكفيرية غير مسبوقة في وحشيتها بهدف إسقاطها والتخلص من الاستثناء الذي عرقل تنفيذ مخططاتهم. لكن حربهم اصطدمت بمعجزة الصمود الوطني الخارق التي اجترحها السوريون شعباً وجيشاً وقيادة، وفشلت، بعد قرابة خمسة أعوام من جرائم القتل والتدمير والتهجير في تحقيق أهدافها. وها هم، بعد الانعطافة الجديدة التي عرفتها المسألة السورية بفعل الدور السياسي والعسكري الروسي الحليف، واستمرار التنسيق والتعاون والدعم المتبادل مع الأشقاء في إيران والمقاومة اللبنانية، والإنجازات النوعية التي حققها الجيش العربي السوري في الميدان، يبدؤون النزول الاضطراري عن شجرة أوهامهم العالية، في اعتراف غير مباشر بالهزيمة، كما أظهرت اجتماعات فيينا.

لقد استلهم حزبنا العظيم، حزب البعث العربي الاشتراكي، روح التصحيح الوطنية الوقّادة، وقيمه النضالية السامية في مواجهة التحدي الإرهابي التكفيري، فطوّر أساليب عمله التنظيمي، وعزّز حضوره بين الجماهير، وخاض معركة الدفاع عن الوطن، وحماية الشعب، على مختلف الصعد الاجتماعية والفكرية والسياسية والعسكرية، في أداء متكامل شكّل أحد أهم عوامل نجاح التصدي الوطني للعدو، وأكد أن الحزب غنيّ بطاقاته النضالية المتنوعة، وأنه أقدر من يعبّر عن إرادة الشعب السوري ووحدته، وخياراته الوطنية في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا غرابة، فلهذه القدرة مصدر عميق متجدد هو أن البعث نتاج شعبه وأمته، وأنه كان منذ ولادته، ومازال، وسيبقى يستمد فكره ومنطلقاته المعرفية من الجماهير على امتداد الساحتين الوطنية والقومية.

إن الدفاع عن الدولة السورية، عن استقلالها وسيادتها، عن هويتها الوطنية العروبية، ونهجها المقاوم، هو اليوم حاجة قومية ملحّة، لأنه يعني الدفاع عن الدولة الوطنية العربية حاملة المشروع القومي، أي عن المشروع نفسه. وقد كان واضحاً لنا منذ بداية الحرب الشرسة على سورية، أن استهدافها هو في جوهره استهداف للمشروع القومي العربي. ويخطىء كثيراً من يتوهم أن ما حدث في سورية أبعدها عن هذا المشروع، أو أضعف تمسكها به، ذلك أن العروبة بالنسبة للبعث ليست خياراً إيديولوجياً يمكن الاستغناء عنه أو تغييره، لكنها حقيقة اجتماعية ونفسية وثقافية وسياسية، وعامل وحدة وقوة وتطور واستقرار. والبعث، كما قال الرفيق الأمين القطري بشار الأسد: “لم يأت ليبتدع فكرة العروبة في المجتمع، بل أتى كنتيجة طبيعية لوجود هذا المجتمع المتشرّب لكل عناصر القومية العربية.. وطالما أن الوجود القومي هو جزء من حقيقة المجتمع، فإن دور البعث سيبقى أساسياً”.

ما حدث في سورية زادنا، على عكس ما أراد الأعداء والمغرضون والصيادون في المياه العكرة، تمسكاً بالمشروع القومي، وأهدافه النهضوية، ولاسيما الاستقلال الوطني، والوحدة العربية، وتحرير فلسطين، وهي الأهداف التي ندفع اليوم ضريبة حمْلها، والنضال من أجلها، الكثير الكثير من دماء شعبنا وجيشنا، لكننا سنستمر في هذا النضال، مهما علت كلفته، لأننا نعلم علم اليقين أن التهديد الامبريالي الصهيوني لدولتنا الوطنية، وللدولة الوطنية العربية عموماً لن يتوقف، وأن لا طريق للرد الاستراتيجي عليه، وإزالته نهائياً إلا بتحقيق المشروع القومي.

إن الحرب الشرسة التي نواجهها، والتي وفر لها الأعداء من الإمكانيات الضخمة ما يكفي لإسقاط أقوى الدول، لم ولن تستطيع كسر إرادتنا الحرة، والنيل من دولتنا الوطنية. ولم ولن تستطيع إجبارنا على تغيير فكرنا الوطني العروبي، فالعروبة كما أوضح قائدنا بشار الأسد: «ليست عضوية في جامعة، وليست شعاراً يرفعه حزب أو سلطة، بل هوية يمنحها التاريخ، وممارسة يؤكدها الواقع، ومن أكثر من سورية قدّم للقضايا القومية، ودفع الثمن ومازال، ومن أكثر من سورية قدّم للقضية الفلسطينية تحديداً».

وعندما كان الأعداء يراهنون على أن سورية المثخنة بالجراح ستتخلى عن فلسطين، كان قائدنا الاستراتيجي الكبير يؤكد، دون تردد: «أن ما يجري في سورية والمنطقة برمتها مرتبط بشكل مباشر بفلسطين، وأن من يعتقد أنه يمكن لنا أن نعيش بأمان ونحن ننأى بأنفسنا عن قضية فلسطين واهم، فهي ستبقى القضية المركزية استناداً إلى المبادىء والواقع».

صحيح أن الجهد الوطني السوري تركّز كله في السنوات الأخيرة على محاربة الإرهاب التكفيري الذي تغذيه الرجعية العربية والعثمانية الجديدة، بلبوس جديد خطير، لكن شعبنا الفلسطيني الذي يُبهر العالم، اليوم، بانتفاضته الجديدة في وجه الاحتلال الصهيوني، والانحياز الغربي، والتواطؤ الرجعي العربي، يعرف كما نعرف أنه ليس وحيداً، وأن شقيقه السوري يقاتل العدو نفسه، لأن الإرهاب التكفيري ليس سوى الأداة الجديدة لهذا التحالف الصهيوني الغربي الرجعي الشرير، وأن انتصارنا على هذه الأداة سيكون في بعده القومي انتصاراً على أعداء فلسطين، والأمة العربية جمعاء. وإذا كانت الرجعية العربية قد تمكنت، عبر التضليل السياسي والإعلامي المكثف، من إخفاء الدوافع الحقيقية لموقفها من سورية، وخداع الكثيرين بهذا الشأن، فإن موقفها المشين من انتفاضة فلسطين يُسقط عنها ورقة التوت، ويفضح للجميع حقيقة دورها الوظيفي المعادي للمشروع العروبي النهضوي، وقضيته الجوهرية: فلسطين.

وهاهي الأيام تثبت كيف أن «عقرب الإرهاب» صار كرة نار تتدحرج متجاوزة حدود المنطقة إلى العالم لتحرق وجوه داعميه الواقفين اليوم حيارى بين المراوغة والألم والمؤامرة. بينما نسور جيشنا الباسل يتصدون بشجاعة عز نظيرها لوحوش العصر في صمود اسطوري سيغدو ملحمة الاجيال.

إن وصول الوضع العربي إلى ذروة الانحطاط الذي نراه اليوم، إنما يشير إلى تفسخ النظام الرسمي العربي الذي بات عبئاً ثقيلاً على الأمة وشعوبها. لكن ما نراه من آثار كارثية للسياسات الرسمية العربية على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما فيها الشروخ المذهبية والطائفية والإثنية العميقة التي يُراد لها تفجير المجتمعات العربية من الداخل، لا يجب أن يحجب عن أنظارنا حقيقة أن الشعوب العربية، بالرغم من كل ما يُسلّط عليها من سياسات القمع والتدجين وتشويه الوعي الممنهجة، هي في طريقها إلى النهوض الوطني، وأخذ زمام المبادرة لتصحيح هذا الوضع الشاذ، وأن الأمة تعيش مرحلة الانحطاط الكبير الذي يسبق النهوض الكبير. ومن الخطأ ألا نرى البوادر الواعدة في حركة الجماهير بهذا الاتجاه، اتجاه مقاومة الهيمنة الرجعية، وتحرير الإرادة العربية من الارتهان الرجعي للامبريالية والصهيونية، والنهوض الوطني الديمقراطي العربي على طريق تحقيق المشروع القومي. وهنا يكمن دور حزبنا الذي يشهد اليوم جهداً خلاقاً لتطوير العمل، وتفعيل الحضور، وتجديد الفكر استلهاماً لتوجيهات الرفيق الأمين القطري للحزب.

في ذكرى التصحيح المجيد، وسورية تحارب الإرهاب التكفيري عدو العروبة والإسلام والإنسانية، وداعميه الدوليين والإقليميين، نيابة عن الأمة والعالم، من البديهي أن تتنامى الحركة الشعبية العربية التضامنية معها، وأن يتطلع إليها أحرار الأمة وشرفاؤها، ويرون فيها أمل المستقبل، فالمعركة معركة وجود، ولا يتوقف عليها مصير الدولة الوطنية السورية فقط، بل المصير القومي برمته. وسورية القوية بشعبها وجيشها وقائدها وجماهير أمتها منتصرة فيها لا محالة، وستبقى قلب العروبة النابض وجناحها الخفّاق.

 

بقلم الرفيق هلال الهلال الأمين القطري المساعد