ثقافة وفن

الفنان التشكيلي علي سليمان: المبدع يلتصق بوطنه في وقت الأزمات

ولد التشكيلي الدكتور علي سليمان في طرابلس لبنان ومنذ طفولته وقبل دخوله المدرسة تعلم قراءة القرآن الكريم وكان والده معلمه الذي علمه التجويد والخط العربي حيث فتن بالزخارف والطبيعة الجميلة في طرابلس ومناخها المحرض للإبداع فنشأت علاقة حميمية بينه وبين اللوحة.

عن بداياته في عالم الفن يقول التشكيلي سليمان: إن أول مرسم لي كان في تحويل أشياء من المنزل في دارنا العربية هناك إلى خيمة تؤمن العزلة في زاوية بدأت أرسم فيها، وبعدها انتقلت إلى حمص ومركز الفنون فيها وبيتي الذي حولته إلى مرسم جميل، وبعدها دمشق ومن ثم إلى برلين والعودة إلى دمشق وحمص وأخيرا إلى مرسم جبل الطيور في دمشق.

تابع سليمان: إنني في كل مرة أعيش في المرسم أسعى لعالم إبداعي محرض للإنتاج وذلك في حياة كلها عمل متواصل وبحث في مساحة اللوحة عن الإدهاش والتحول، موضحا أنه عندما تكون حياتك في المرسم منذ طفولتك لا بد أن تكون علاقتك بالمنتج في هذا المرسم علاقة إنسان بأعضائه الجسدية، مبينا أن اللوحة هي صورته وتطور ملامحها يترافق بتغير ملامحه مع الزمن ولوحة اليوم هي تطور للوحة الأمس وامتداد تاريخي لعملية بحث ولد معه ونما حتى يومنا هذا.

وحول تأثير الأزمة التي نعيشها على عمله الفني ولوحته يقول سليمان: إن الأزمات عموما تلعب دورا سلبيا في حياة كل إنسان وخاصة في وجود الجهل الذي يبرر الجشع والتجارة والأعمال المخالفة والسوق السوداء، وفي الحصار الاقتصادي وفقدان المواد والخامات والألوان والورق وغيره من حاجات الفنان حيث تتكون لدى الفنان أزمة وكآبة وتزداد عزلته.

وتابع عملت على مشروع استخدمت فيه خامات وأدوات خاصة وغريبة وأنتجت ما يعبر عن الحدث بروح فيها من الرضى والبحث عن الجديد والمناسب لعملي، مؤكدا أن ذلك أوصله إلى تقانات جديدة وبحث مهم في إنتاج لوحة خاصة مقنعة ولافتا إلى أن الهم الأكبر لديه اليوم هو انتهاء الأزمة والخروج من النفق المظلم الطويل إلى عالم مضيء يستطيع فيه التشكيليون السوريون أن يعرضوا فيه إنتاجهم الفني.

ويرى سليمان أن مفردات النص البصري في لوحاته تأتي من عمق الواقعية، مبينا أن صياغة لوحته بشكل مجهري فيها صعوبة للقارئ العادي وذلك لفرش الألوان بطريقة تجريدية فيها من الفن الإسلامي وتكرار المفردة على سطحها ما يجعلها شرقية تراثية من ضمن الهوية المحلية بإيقاع فيه من الحداثة والدهشة والغرابة.

ويوضح سليمان أنه في النصف الثاني من القرن الماضي فتح باب الحداثة عدد قليل من الفنانين التشكيليين السوريين وفي السبعينيات ظهر مجموعة من الفنانين أغرقوا إنتاجهم في التجريب واستخدام التقانات وطرح الحداثة في مراسمهم من خلال الهوية الخاصة والبحث الجاد والكشف الواعي لإنتاج لوحة مهمة، مبينا أنه مع بداية القرن الحديث ظهرت أسماء من الفنانين الشباب تريد اجتياز الواقع وتبرر لنفسها كل عمل للوصول إلى النجومية، فأنتجت فنا هجينا وغير أصيل في زمن قصير جدا.

ويبين سليمان أن الحياة العلمية والتطور في الاتصالات والانترنت لعبا دورا سلبيا في إنتاج الفنانين الشباب، وخاصة من يريد اختصار الطريق لتقديم لوحة دون تعب ويرى أن على الفنان أن يكون خير سفير لبلاده يمثلها في المعارض العالمية ويعرض أعماله الخاصة في معارضه أينما ذهب في زهو وافتخار، أما في الأزمات فعلى كل المبدعين أن يلتصقوا بوطنهم ويعيشوا المحنة ليحولوها إلى إبداع ليقوموا بدورهم في الحرب وبعدها، مبينا أن هذا ما حدث في كثير من بلدان العالم وبقيت آثارهم للأجيال اللاحقة مشاعل نور وصورا ووثائق صادقة لافتا إلى أن “هذه الأعمال لم ولن توقف الحرب وإنما تعرف بالحقيقة وستكون فنا راقيا يعرض بعدها.

التشكيلي الدكتور علي سليمان من مواليد طرابلس لبنان عام 1955 وتخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1981 وحصل على درجة الدكتوراه في التصوير من جامعة برلين بألمانيا عام 1986، وتابع دراسته الفنية العليا في المدرسة العليا للفن “فايسن زيي برلين” بألمانيا بين عامي 1982 و1987، وحصل على دكتوراه في التصوير الجداري اسبرنت ومايستر كلاسيه كأستاذ أكاديمي للفن عام 1987، وهو عضو الهيئة التدريسية بكلية الفنون الجميلة بدمشق، وعضو اتحاد التشكيليين السوريين واتحاد التشكيليين العرب واتحاد الفنانين الألمان.

كما وقع مؤخرا كتابه “التحول” الذي يرصد تجربته الفنية الممتدة لنحو أربعين عاما وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها، والكثير من المشاركات في المؤتمرات والمعسكرات والملتقيات والندوات الفنية العالمية وأعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية ومتحف “بوتسدام” بألمانيا وضمن مجموعات خاصة في عدد كبير من دول العالم والدول العربية.