الشريط الاخباريسورية

لحود: السلام في سورية يبدأ ويتحقق عندما ينضوي الجميع تحت راية الدولة

تسع سنوات، قضاها الرئيس اللبناني السابق، العماد إميل لحود، في قصر بعبدا، وسط تحديات خطيرة واجهت لبنان، ومرحلة صعبة ومعقدة، حمّلته مسؤوليات كبيرة، تمسّك خلالها بدعم المقاومة اللبنانية، ليكون مساهماً قيادياً كبيراً في معركة تحرير الجنوب عام 2000، وانتصار تموز 2006، رافضاً التدخلات الأجنبية في شؤون بلاده الداخلية، ومحافظاً على العلاقة “النموذجية” مع سورية، مدركاً بعدها القومي، وأهميتها في الحفاظ على لبنان، وبقائه في إطاره ومحيطه العربي، ليغادر القصر الرئاسي عام 2007 و”ضميره مرتاح”.
العماد لحود، الشخصية السياسية التي تميّزت بثبات مواقفها رغم كل العواصف التي ضربت لبنان وسورية معاً. اليوم، ومن موقع المراقب لما يجري في سورية، وارتدادات ذلك على بلاده، يُجيب على تساؤلات “البعث” حول آخر مستجدات الساحتين السورية واللبنانية.
> بداية، كيف كانت قراءتكم للأحداث وقت اندلاعها في سورية قبل خمسة أعوام، وكيف تقرؤونها اليوم، هل اختلطت عليكم الأمور كما حدث مع الكثير من النخب العربية وغير العربية؟.
>> منذ اندلاع الأحداث في سورية قبل خمسة أعوام، صرّحت في العلن أن الأمر يتجاوز احتجاجاً شعبياً من هنا وهناك إلى ما هو أدهى، ذلك أن أخي الرئيس الدكتور بشار الأسد كان ساعياً بجدّية مطلقة إلى تطوير النظام على الصعيدين السياسي والاقتصادي وتحديث مؤسسة الجيش والإدارات العسكرية والأمنية وتعزيزها، بما يخدم مصالح الدولة السورية العليا، ويحقق حقوق الشعب السياسية والاجتماعية، حتى أنه استعان بخبرة لبنانية في ترشيق الدستور السوري وتعديله، ليصبح النظام مرتكزاً على الأسس التي يرتكز عليها كل نظام ديمقراطي جمهوري ليبرالي.
قلت منذ البدايات: إن حرباً تخاض ضد سورية لأنها واسطة العقد والداعمة لخط المقاومة والممانعة للهجمة الإسرائيلية، ولأنها لا تهادن عندما تعرض عليها مقترحات الفوضى الخلاقة أو الشرق الأوسط الجديد وما شابه من مشاريع التفتيت والشرذمة التي تستهدف الأمة العربية.. آسف أن أقول أن التوصيف أشكل على الكثيرين من النخب العربية وسواها، التي استدركت لاحقاً أن حرباً كونية إرهابية تخاض ضد سورية، وأن دعم سورية هو من واجبات الأمة التي تلكأت، بمعظم أطيافها، ولا سيما المتورطة منها في الحرب الدائرة على أرض سورية، من التصدي لهذه المشاريع، فأضحى ربيعها خريفاً مستداماً لا تزال تعاني منه ومن تساقط أوراق القوة لديها فيها.
> المستجدات السورية تسير اليوم في اتجاهين؛ الأول سياسي مع انطلاق المحادثات السورية-السورية في جنيف، والثاني ميداني مع تقدّم الجيش العربي السوري على أكثر من جبهة.. ما هي تصوراتكم للمرحلة المقبلة؟.
>> إن الميدان يصنع الديوان، ولولا الإنجازات النوعية للجيش العربي السوري وحلفاء سورية من المقاومين والأشراف على الأرض، لما باتت الدولة السورية الرقم الأصعب في المحادثات المرتقبة.. إن هذا السلام المنشود يبدأ ويتحقق عندما ينضوي الجميع تحت راية الدولة، كتفاً إلى كتف، لإنهاض سورية من مخلّفات الحرب الإرهابية عليها، خاصة وأن القيادة السورية منفتحة منذ زمن على التطوير، يكفي أن ننظر إلى السلام العصي على التحقيق في سائر الأقطار العربية التي ضربتها العواصف الخريفية بسبب انهيار مقوّمات الدولة فيها، وفي مقدّمتها القيادة ومؤسسة الجيش، كي نعرف أن الدولة السورية لم ولن تسقط بفعل صمود الرئاسة والجيش.
> من يعرقل الحل السياسي في سورية.. ولماذا؟
>> العرقلة كيدية واستراتيجية في آن عند بعض أمّة العرب وأهل التتريك ورعاتهم، من دون أن ننسى الدور الأساس الذي يقوم به العدو الإسرائيلي في السعي إلى تمزيق قلب العروبة النابض، فينهي الأمة وقضاياها المركزية، لا سيما قضية فلسطين.. إن المعرقلين واهمون عندما يتخيلون أن بإمكانهم إسقاط الرئيس الأسد بالقوة، في حين أنه محصّن بإرادة صلبة وشعب أبي وجيش بطل ومقاومة رائدة وأحلاف دولية على رأسها الروس، وفي كل ذلك حزام أمان كامل المواصفات.. إن أي دولة يساندها شعبها لا تسقط، على ما يعلّمنا التاريخ البعيد والحديث.
> ماذا لو فشلت مفاوضات جنيف؟.
>> إن مفاوضات جنيف السورية-السورية لن يكون مصيرها بالضرورة الفشل، طالما أن أصحاب الرؤى الحميدة ساهرون على عدم تفخيخها، هذا التفخيخ الذي يصبح متاحاً في ما لو تمّت شرعنة الإرهاب التكفيري والعدمي وجرائمه بالتفاوض مع الدولة السورية، يكفي أن يتفق المفاوضون أن عدوّ سورية هو الكيان الغاصب والإرهاب التكفيري، وهما وجهان لعملة واحدة، كي تنتظم المفاوضات على أسس متينة.
> سياسة النأي بالنفس اللبنانية.. هل كانت سياسة إيجابية وإلى أين أوصلت لبنان؟.
>> كيف يمكن لدولة أن تنأى بنفسها عن شقيق يتعرّض لحرب إرهابية، وعن إرهاب يتهدّدها هي أيضاً، ويضرب البشر والحجر في عمقها ويغذّي خلايا نائمة فيها ويوقظ الغرائز المذهبية المقيتة في صفوف شعبها الواحد؟!، إن قدر لبنان أن يكون إلى جانب سورية، وأن يرسي عقيدته القومية على أن أخطر ما يتهدّد لبنان إنما هو الكيان الغاصب والإرهاب. لبنان يعيش حالة تماس مع الحالة السورية، ولا يمكنه أن ينجو من ارتدادات الزلزال الحاصل في سورية من جرّاء هذه الحرب الإرهابية الكونية عليها، ما استدعى تداخل الميدانين، على تخومنا، وفي العمق، الذي توجد فيه أوكار الإرهاب، التي تهدّد شعبينا معاً.
> ماهي حلولكم لتسهيل تشكيل حكومة لبنانية.. وأنتم في أي صف رئاسي؟.
يجب تفعيل الحكومة اللبنانية الراهنة لما فيه تأمين مصالح الناس الحيوية والمعيشية والاقتصادية، من دون أي محاصصة أو استئثار، خاصة وأن موقع الرئاسة ما يزال شاغراً. إن الرئاسة التي أتمنى للبنان هي رئاسة تخرجه من المناطق الرمادية وسياسة النعامة والتنكر للأخطار، على ألا تفرّط هذه الرئاسة المرجوة بروافد قوة لبنان التي يستمدّها من قوته وليس من ضعفه.
> من يحكم لبنان، الطائفية أم المصالح الفئوية أم التبعية؟.
** سؤال كبير يطرح من زاوية من يحكم لبنان.. الأقوياء الأشراف يسعون دائماً إلى إطاحة الطائفية والتبعية وشبكة المصالح والفساد المتحكّمة على مستويات عدّة من القرار الرسمي. إن هؤلاء الأقوياء الأشراف باستطاعتهم الكثير على صعيد التصدي لهذه الآفات القاتلة، إلا أن أعداء لبنان، وعلى رأسهم الكيان الإسرائيلي الغاصب، غالباً ما كانوا يحققون خرقاً في هيكلية الدولة المركزية القوية، إلا أن هذا الخرق أصبح محدوداً من جرّاء الفعل المقاوم الرائد وتصدي الجيش اللبناني البطل وسائر الأجهزة الأمنية والاستخبارية لمثل هذه الخروقات، يبقى أن الأقوياء الأشراف هم الذين يتمتّعون بمناعة جينية تقيهم الإغراء والترغيب والترهيب.
> ما الذي يمنع العدو الإسرائيلي اليوم من غزو لبنان؟.
>> توازن الرعب هو الذي يمنع العدو الإسرائيلي اليوم من غزو لبنان، وسرّ هذا التوازن يكمن في معادلة الشعب والجيش والمقاومة.. إن غزو لبنان لم يعد منذ الألفين نزهة، بل هو حرب مكلفة جداً على العدو الإسرائيلي، يحسب لها ألف حساب.