line1مساحة حرة

مـــابــعــد تــدمـــر

هل هناك من مسوّغ وطني أو إنساني لقلق بعض الأطراف من تطهير تدمر؟!

يبدو أن تدمر فاتحة لعدة أقفال، وبهزيمة داعش فيها سقط القناع.. عن القناع.. عن القناع، كما قال محمود درويش.

فقد أثار تطهير الجيش العربي السوري مدينة تدمر وطرد وحوش العصر منها ردود أفعال عديدة ومتباينة في الوقت نفسه، فبينما كانت الشخصيات والمؤسسات الدولية المعنية بالحضارة والثقافة والتاريخ الإنساني تبدي ارتياحاً واسعاً لهذا الإنجاز الكبير، كانت أطراف أخرى تبدي قلقاً واضطراباً وخوفاً من هذا الإنجاز مسجلةً بهذا انحيازاً واضحاً إلى الدمار والوحشية والإرهاب.

ولعل أبرز مايلفت النظر في ردود الأفعال هذه موقف بعض أطراف مايسمّى خطأ بـ«المعارضة المعتدلة» ولاسيما بعض شخصيات الائتلاف ومعارضة الرياض، هؤلاء الذين أرهقهم اندحار داعش وحشرهم في زاوية الانكسار  والفضيحة المكشوفة، ماسيفرض على المجتمع الدولي، وخاصة الدول التي ترعى المفاوضات السورية – السورية، أخذ تصريحاتهم غير الوطنية واللاإنسانية بالحسبان.

وللحقيقة، لا توجد معارضة تؤيد المسار السياسي لحل الأزمة، وتكون في الوقت نفسه معارضة وطنية، دون أن تبارك هذا الإنجاز، لأن بعض من حضر مؤتمر جنيف3 دعا بعد تطهير تدمر بردّة فعل إلى التصعيد العسكري لإرباك المفاوضات ونسف المسار السياسي.

وبهذا لا يكون هؤلاء منحازين إلى داعش وأخواته فقط، بل يتماهون مع الطرح الإسرائيلي حين يتوافقون معه في الإحباط أمام أي إنجاز تحققه الدولة الوطنية العربية السورية، فيعتبران سويّةً أن خطر هذه الدولة عليهما بثوابتها ومبادئها وجيشها الباسل أكبر من خطر داعش والنصرة.

فكل من صَدَمهُ تطهير تدمر مما يسمى الائتلاف – المعارضة المعتدلة، معارضة الرياض – «الثوار»…إلخ ورعاتهم ودعاتهم يكذب بادعائه  الالتزام بتنفيذ القرارات الأممية الهادفة إلى حل الأزمة والتي ركزّت أول ماركزّت على محاربة الإرهاب.

ألا يعرف هؤلاء جرائم داعش وغيرها في تدمر، وفي بقية أرجاء سورية والعراق وأوروبا؟. ألا يعرفون أيضاً الجرائم المرتكبة بحق المواطن والوطن والحضارة الإنسانية الشاهدة على عراقة سورية الأرض والشعب والتاريخ؟… وما يتصل بهذا من تدمير لآثار هي ليست وطنية فحسب بل ملك للتاريخ الإنساني، ويُضاف إلى هذا التدمير والتكسير جرائم التنقيب السرّي من قبل عصابات داعش ومافيات الآثار في تدمر وحلب القديمة ودير الزور… ومتاجرة عصابات أردوغان بذلك.

لقد أربك تطهير تدمر وتوالي انتصارات الجيش العربي السوري معارضة الرياض، كما أربك الولايات المتحدة وأحرجها أيضاً فعدّلت تصريحاتها السلبية على لسان خارجيتها أول أمس باعتبار «عدم سيطرة داعش على هذه المنطقة بالأمر الجيد»؟!

لكن الارتياح الدولي كان أوسع وقد سجّلت عدد من الصحف العربية والغربية مواقف عديدة من هذا القبيل منها ما كُتب أمس في الإندبندنت البريطانية من أن «استعادة تدمر شكّلت صدمة كبيرة للغرب لأنها تثبت جدّية الجندي العربي السوري وحلفائه في محاربة داعش مقابل عجز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في استعادة أي أراضٍ من التنظيم».

إنّ مابعد تدمر ليس هزيمة لداعش وحدها، ويبدو أن داعش ليست وحدها، فهناك أطراف كثيرة تدّعي دعم المسار السياسي أو الانخراط فيه هي منحازة إلى داعش، وقد كشف تطهير تدمر ماكان متوارياً حين تيقّنت هذه الأطراف أن تدمر ومابعدها يأتي في سياق الانهيار المعنوي والمادي والاستراتيجي لكافة خصوم الدولة الوطنية العروبية بقيادتها السياسية والعسكرية وعلى رأسها القائد الأسد.

فما بعد تدمر يأتي في صلب التحولات الاستراتيجية التي ستُضعف بل ستعصف بالطروحات التقسيمية التفتيتية المتهافتة حول سورية المفيدة – الجديدة – الفيدرالية – اللامركزية – الانتقال السياسي…إلخ.

فتطهير تدمر، وما سيليه بالنتيجة قريباً، سيفضح أصحاب هذه الطروحات، ويُسقط القناع، ويكشف حقيقة مفادها أن الجندي العربي السوري يحارب أعداء الوطن كما يحارب أعداء الإنسانية تماماً، وكل من يواجه هذا الجندي هو منحاز لاشك إلى وحوش العصر من إرهاب وتكفير ورجعية عربية وعثمانية.

ما بعد تدمر لن يكون أبداً كما قبلها، لاسيما أن الأمور تجاوزت البعد الوطني إلى البعد الدولي ثم إلى أفق الحضارة الإنسانية.

 

د. عبد اللطيف عمران