line1مساحة حرة

فـــخّ الـهـدنــة؟!

 

في الوقت الذي التزمت فيه الجمهورية العربية السورية باتفاق وقف الأعمال القتالية ازدادت فيه يومياً خروقات هذا الاتفاق من قبل العصابات المسلحة، بل إن كثيراً من هذه العصابات انسحب من الاتفاق والتحق بجبهة النصرة، إلى أن قام مؤخراً وفد الرياض بتأييد الخروقات، وبدعوة الإرهابيين إلى مزيد من التصعيد.

لم يحرّك المجتمع الدولي ساكناً ولم يصدر مجلس الأمن أي قرار يدين الخرق الذي يهدف أول مايهدف إلى تقويض المسار السياسي لحل الأزمة، بل انشغل هذا المجتمع، ومعه جنيف3 بطرح يقفز في الهواء في مثل هذه الظروف – طرح الانتقال السياسي – فأيّ سياسة، وأيّ انتقال مع ارتقاء عشرات الشهداء الأبرياء يومياً جرّاء استمرار جرائم الإرهابيين وعدم محاسبة، أو حتى مساءلة حكومتي السعودية وتركيا؟!.

فقد بدا واضحاً مع استمرار المفاوضات في جنيف3 أن الحكومتين المذكورتين ساندتا معارضة الرياض بتحويل اتفاق وقف الأعمال القتالية إلى هدنة، أو استراحة محارب إرهابي يتم بعدها الانقضاض على المفاوضات والإجهاز على الحل السياسي ما لم يتحقق الانتقال المتخيّل وهماً وسراباً وتفريطاً.

والحقيقة أن اتفاق الوقف هذا تحوّل إلى هدنة نما خلالها التطرف والتكفير، يلملم خلاله الإرهابي أشتاته، ويداوي جراحه بما يذكّر بالهدنة مع العصابات الصهيونية منذ قرابة قرن من الزمن، فالعصابات الصهيونية والتكفيرية واحدة في الهدف والأسلوب والاستراتيجية، إذ لا فرق في ضراوة العداوة للمشروع الوطني العروبي بين الصهيونية والعثمانية والوهابية.

فهل كان اتفاق وقف الأعمال القتالية فخّاً حقيقياً؟ ومن الذي وقع فيه إذاً؟.

لقد كانت القيادة السياسية السورية على وعي كامل وإدراك تام، ومسؤولية تاريخية وطنية وإنسانية في الاستجابة لمتطلبات دعم المسار السياسي في مواجهتها للعدوان على سورية، وللمؤامرة على مبادئها وثوابتها منذ اليوم الأوّل، فقامت بمبادرات عديدة ومتتالية لحل الأزمة ووقف سفك الدم وتدمير البنى التحتية والفوقية للدولة الوطنية. هذه الاستجابة وضعت الأطراف المضادة لهذا المسار على المحكّ سواء أكانت معارضة وطنية، أم عصابات إرهابية، أم الحكومات المتورطة، أم المجتمع الدولي.

وعلى هذا الأساس استمرت المفاوضات في جنيف3 بعد انسحاب معارضة الرياض، ما أظهر حرص الوفد الحكومي الرسّمي ومعه أطياف من المعارضة على الحوار والحل السوري – السوري في الوقت الذي أوعزت فيه معارضة الرياض وداعموها ومشغلوها بمزيد من التصعيد الإجرامي الإرهابي في أرجاء عديدة من أرض الوطن.

إذاً، الذي وقع في الفخ هو معارضة الرياض بأطيافها الإرهابية الوهابية والعثمانية، والتي أثبتت تطورات الأحداث أنها غير وطنية، بل وحشيّة وغير إنسانية، وهي ليست معارضة سياسية أبداً، بل إرهاب محض تستند على قاعدة من المجرمين البعيدين عن أي حس أو مسؤولية وطنية، لأنها مجموعة اختزالية إقصائية تفكّر بالحكم لا سواه وتحلم به بأي شكل من الأشكال، دون أدنى شك أو تساؤل عن جدوى الانتقال السياسي قبل تحقيق شرطه الأول وهو القضاء على العصابات الإرهابية، لذلك تجاهلت دائماً بل عملت وداعموها على تغييب القرار 2253 الذي يجرّم بنصه الدقيق قواعدها بتسميته الواضحة لأذرع القاعدة.

ويبدو أنه من غير المجدي عودة وفد الرياض إلى جنيف اللاحق، لأنه  يهدف إلى نسف الحوار السوري السوري، وتدمير المسار السياسي لحل الأزمة خاصة بإصراره المريب والواهن على حصر أطياف المعارضة بنفسه، وبدعوته الإرهابيين إلى الاستعداد الدائم.

فعلى مجلس الأمن ليس فقط تحمّل مسؤولياته في مكافحة الإرهاب واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق الدول والأنظمة الداعمة له، بل عليه واجب إنساني ومسؤولية تاريخية تقتضي مساعدة الحكومة السورية التي تؤكد منظمات وشخصيات دولية عديدة تحملها مسؤولية محاربة الإرهاب نيابة عن المجتمع الدولي.

ولن يثنينا أي تصرّف عن الاستمرار في محاربة الإرهاب ودعم المسار السياسي والحوار الوطني السوري، لا الحوار السوري السوري، بعد كل هذا التغرير والتضليل.

 

د. عبد اللطيف عمران