مساحة حرة

واشنطن تطرح آخر أوراقها في سورية؟؟

لم تكن البروبغندا التي عرضها وفد الرياض في جنيف خارج إطار ما هو مرسوم له أمريكياً بدقة، بل كانت تصرفاته هناك تُعطي مشهداً من مسرحية هزلية أبطالها إرهابيين جاؤوا لضرب أخر أمل بحل سياسي للأزمة السورية، ونسف كل التوافقات الروسية الأمريكية التي استهلكت وقتاً طويل من اللقاءات والحوارات، لكن الإدارة الأمريكية كعادتها لا تجد غضاضة في التملص من التزاماتها الأدبية والأخلاقية – لأن فاقد الشيء لا يُعطيه – وتضع لنفسها المبررات التي لا تقنع إلا عملائها وأدواتها في المنطقة، لقد قررت إدارة الرئيس ” باراك أوباما ” الذهاب بعيداً في العمل لتنفيذ المخططات الصهيو – أمريكية ضد الدولة السورية والتي مضى وقت طويل لرسمها داخل أروقة الاستخبارات الأمريكية والإسرائلية، وفي مقدمتها مشروع تقسيم سورية إلى دويلات وكنتونات متناحرة، حيث طرحت واشنطن آخر أوراقها في سورية من خلال الطرح الذي قدمته إدارة الرئيس ” أوباما ” بتقاسم النفوذ في سورية، وإظهاره كحل سحري يُرضي الشركاء الأعداء ويُترجم نظرية “الأرض لمن يُسيطر عليها”، حيث كشف وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” عن مشروعهم التقسيمي، وذلك بهدف نسف المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة ومنع الوصول إلى حل سلمي يُنهي الحرب الدائرة في سورية، وتقسيم الجغرافية السورية إلى اجزاء أمنية تتقاسم الولايات المتحدة وروسيا السيطرة عليها كل وفق سيطرة حلفائه على الأرض، معلناً بذلك نية الإدارة الأمريكية تقسيم سورية بشكل نهائي. في الوقت الذي لا تزال فيه الإدارة الأمريكية تنتظر رد الفعل الروسي على هذا المقترح، كان الرئيس الأمريكي ” باراك اوباما ” يُنهي زيارته للمنطقة التي أعاد من خلالها رسم خارطة الحلفاء وتحديد شبكة المصالح الأمريكية في ظل وجود قوى دولية وإقليمية أخرى فاعلة، حيث لم يعد الأمريكي السيد الذي يفرض السياسات المنفردة دون العودة إلى أحد وعلى حلفائه تفهم ذلك، وقد اعترف الرئيس الأمريكي ” أوباما ” : ” أنه من الصعب القيام بإحداث منطقة آمنة اوعازلة على الحدود مع تركيا – والتي كانت مطلباً تركياً منذ بداية الأزمة السورية – نظراً لعدم إمكانية ضمان الأمن فيها بدون مشاركة عسكرية واسعة، ولا يُمكن القيام بهذه الخطوة مهما كانت التحديات “، فهو يؤكد ضمناً على فشل سياسة الحليف التركي العدائية ضد سورية طيلة فترة الحرب .

كان الرد الروسي على مقترح وزير الخارجية الأمريكية متباين ويحمل العديد من الأوجه، حيث قال وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” إن هذا الملف يحتاج إلى مناقشة بين العسكريين، السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيكون الرد الروسي الرسمي متناقضاً مع مبدأ السيادة السورية التي أكدت عليها قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتتمسك القيادة السورية بها ؟ في واقع الأمر نجد أن هذا الطرح يحمل من الخطورة ما يُعيدنا بالذاكرة إلى اتفاقية سايكس – بيكو المشؤومة وما نتج عنها من تفتيت للوطن العربي، فهل سنشهد اتفاقية تقسيم سورية الآن بين روسيا وأمريكا ؟ سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد في الوقت الراهن على قوات تضع في مقدمة أهدافها إعلان الانفصال عن الدولة السورية القائمة، ونقصد هنا “قوات سورية الديمقراطية” التي يغلب عليها المكون الكردي، وقد كشفت تلك المجموعة منذ قترة عن رغبتها في إقامة نظام حكم فيدرالي في شمال سورية يتمتع بشبه استقلال تام عن الدولة السورية .

إن المشروع الأمريكي القادم يحمل الكثير من المفاجآت المزعجة للحكومة السورية ولمستقبل سورية وهذا ما عودتنا عليه الإدارة الأمريكية التي من صفاتها الغدر، وقد أكدت التحركات المختلفة في أوساط ” المعارضة السورية ” المرتبطة بأمريكا عن وجود مشروع متكامل لتنفيذ تلك الخطة عبر إعادة تسليح العشائر العربية في المنطقة تحت راية التيار السياسي الذي أنشأه أحمد الجربا ” رئيس الائتلاف الوطني ” السابق والذي أعلن صراحة عن إنشاء جناح عسكري لهذا التيار الذي يجد في شمال سورية واقع ديموغرافي مناسب له ولتحالفاته المشبوهة مع المكون الكردي الذي يدعو للفدرلة، كما سيُعهد لحكومة العدالة والتنمية التركية بإعادة تدريب ما يُطلق علهم ” معارضة معتدلة ” من جديد، في الوقت الذي تناور في الإدارة الأمريكية وتعترف بصعوبة فصل ” المعارضة المعتدلة ” عن جبهة النصرة في العديد من المناطق في إشارة إلى احتمال ضم جبهة النصرة إلى لائحة الاعتدال ووقف مهاجمتها من قبل الطيران الروسي والسوري باعتبارها تنظيم إرهابي مسجل على لوائح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي .

في واقع الأمر تسعى الإدارة الأمريكية بكل الوسائل لضرب أية مبادرة أو بارقة أمل لحل سلمي يُنهي الحرب في سورية، وإن المقترح الذي قدمه وزير خارجيتها يحمل الخطر الأساسي الذي ستواجهه الدولة السورية بقوة وتعمل على منع تحويله إلى امر واقع في المرحلة القادمة، لأن الجغرافية السورية غير قابلة للتقسيم بالمطلق، بل على العكس من ذلك يجب على الدول والكيانات التي دعمت الإرهاب في حربه على سورية أن تدفع الثمن الطبيعي وهو ليس أقل من عودة لواء الاسكندرون السليب والجولان المحتل إلى خارطة سورية المنتصرة . على الرغم من اعتماد الأصدقاء الروس سياسة النفس الطويل واللعب النظيف، فإن الشعب السوري يثق بالحليف الروسي، كما أنه يثق بقيادته السياسية التي واجهت قوى الشر في العالم في أصعب الظروف من اجل حماية سورية حرة مستقلة وموحدة، والثقة الكبرى هي في انجازات الجيش العربي السوري الباسل على الأرض الذي يُحطم كل الخطط العدوانية والخرائط التأمرية تحت أحذيته، وإن إرادة الشعب السوري صلبة وراسخة خلف وحدة الجيش الوطني العقائدي، الذي يُقدم الإنجاز تلو الآخر، ويستمر في هزيمة الإرهاب وداعميه على كامل التراب السوري .

محمد عبد الكريم مصطفى