سلايدسورية

“خرائط مراكز القرار”.. ما لم ينشر عن حقيقة الحرب الأميركية على سورية

مرت الأخبار سريعا حول ما نشر عن “دستور” مقترح لسورية تبين في ما بعد أنه صمم في معهد أبحاث “كارتر” الأميركي، ومر في ظلال هذا الخبر ما صدر عن رئيس وزراء كيان الاحتلال حول “أبدية بقاء” الجولان المحتل تحت السيطرة الصهيونية، وتشكيل “وحدة ارتباط” مع الجماعات الإرهابية والسكان المحليين في الجزء غير المحتل من الجولان السوري.

ما نشر، لم يكن مجرد “خبرين” عابرين في سياق صراع الوجود الذي تخوضه سورية ضد واشنطن وتل أبيب. القضية أبعد من ذلك وأكثر تعقيدا.

بقليل من التفكيك السياسي المعمق لمدلولات ما نشر، يمكن اكتشاف حقيقة “الوثائق السوداء” المعدة لسورية التي تعود لسنوات طويلة قبل إعلان الحرب عليها. الأمر يعود باختصار إلى مشروع واشنطن للدولة “النيو-قطرية” لسورية الجديدة، الذي هو الوجه الآخر لمشروع “سورية المسالمة” الذي طرحه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن. وبالربط مع مدلولات “وحدات الارتباط” المطروحة صهيونيا، تتجلى صورة “الأقلمة” المخطط لها أميركيا لكامل دول المنطقة.

تبدو المعلومات هنا ربما كثيفة، ومرعبة. لكنها الحقيقة التي تكشف رغبة أميركية مزمنة بتغيير وجه سورية إلى الأبد.

ما هو مطروح هنا ليس تسميات إعلامية جذابة أو مثيرة، وإنما يشكل ركنا أساسيا للتصور الأميركي للنظام العالمي الجديد القائم على مفهوم “مايكرو-ستيت سيستم” Micro-State System.

في التصور الأميركي هذا تتلاشي الدول القومية والوطنية وتتحول نحو “تشكيلات” سياسية واجتماعية أدنى مستوى. الدول والشعوب التي تقع على “مفارق” جيوسياسية (سورية أوضح مثال) هو الدول الأكثر تضررا، حيث تتم التضحية بها لصالح تحقيق مصالح القوى المسيطرة.

تجليات هذا التصور تم الكشف عنها مؤخرا في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي للعام ٢٠١٥ ، القائمة على ما يسمى “الصبر الاستراتيجي” والذي سبق ووضعت عناصره الأولى في أيام من العام 2010 تحت ما يسمى “إستراتيجية الأمن القومي الأولى للمرحلة الأوبامية الرئاسية”

يؤكد محللون أن الركن الأساسي لتحقيق الإستراتيجية الأميركية هذه  يقوم على مفهوم “الاستثمار بالآخرين” سواء كانوا من الحلفاء أو “الأعداء”.

الاستثمار في الآخرين يتم عبر تكتيكات متعددة تقوم على “التعرية” أي تعرية العدو من عناصر قوته، و”الإحاطة الأمنية”، عبر اختراق الجسد الأمني للدولة أو الجهة التي تعادي أميركا بالعملاء أو عبر التجسس الإلكتروني، واستخدام العامل الجغرافي كعامل مضاد لمفهوم السيادة والوحدة الوطنية، وأخيرا “العمل في الخطوط الخلفية” عبر التضحية بالحلفاء على الخطوط الأولى ودفعهم للمواجهة مهما كانت الخسائر.

والأهداف التي تسعى هذه الاستراتيجية لتحقيقها تختصر في خلق ما يسمى “micro-state” عبر:

  • ضرب الهوية القومية للمجتمعات وتفكيكها على  وحدات اجتماعية مصغرة ذات روابط “اثنية-لغوية”
  • ضرب مفهوم المصلحة الوطنية عبر تقديم مصلحة “الوحدات الاجتماعية المصغرة” عليها
  • ضرب بنية الجيوش الوطنية عبر تقليص قوتها ومساحة عملها، وتطعيمها بمكونات شبه عسكرية قابلة للانشقاق باستمرار.
  • ضرب مركزية الدولة باعتبارها مركز صناعة القرار الوطني.

وكل من يراجع الآن ما تم تسريبه مؤخرا في الإعلام حول “مشروع دستور” مقترح لسورية، سيجد بالتأكيد هذه العناصر الأربع في كل فقرة تقريبا، سواء في الفقرة المتعلقة بصلاحيات الرئاسة، أو بينة الجيش، أو صلاحيات “لجان المناطق” او ماشابه. جميعها طروحات “تفكيكية” تسهل ما اصطلح عليه في الدوائر الأميركية باسم “التقسيم المقنع” لسورية والعراق كمقدمة لأقلمة الشرق الأوسط.

الأقلمة في المفهوم الأميركي هي إعادة رسم “خرائط مراكز القرار” وجعل “التشكيلات الاجتماعية المحدثة غير ملتزمة بالضرورة بقرار العاصمة”، وهذا ما تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه عبر دعم التشكيلات الانفصالية الكردية في الشمال السوري أو من خلال خلق كيانات إرهابية على خط الجولان المحتل تتبع للكيان الصهيوني، وما كشفته وسائل الإعلام الصهيونية حول نية الكيان الصهيوني “بتفعيل مشروع الإرتباط  مع الجانب الأخر للجولان المحتل، يصب مباشرة في هذا المسعى.

 

البعث ميديا || ريبال زينون