line1مساحة حرة

مخاض الوعي الوطني والعروبي

لا شكّ في أن ظلالاً من الشك والتشاؤم تخيّم على الشارع العربي  يفرضها الواقع الراهن بسبب مايتعرض له الجميع من دم ودمار وغياب للوعي بالمؤامرة الصهيوأطلسية الرجعية العربية على مصالح الأوطان وقضايا الأمة، بل على الأفراد والمجتمعات، على الانتماء والهوّية.

ولا شكّ أيضاً في أن هذه الظلال هي نهاية النفق المظلم الذي بدأ منذ أحداث 11 أيلول 2001 وما يتصل بها من دعم للمشروع الصهيوني في المنطقة، واستهداف مرتكزات المشروع العروبي المقاوم. فهناك اليوم عودة للوعي في المجتمعات العربية يُراهن عليها مدعومة من أحرار العرب وشرفاء العالم.

وفي هذا السياق ينبغي التركيز على الوعي، وتقديمه على الانتماء والهوّية، لأنه الأساس الذي يشخّص التحديات التي تشوّه الانتماء بالعصبيات المستنبطة من أحقاد الماضي، من ظلامه، وليس من الآفاق الحضارية الواسعة فيه. هذه العصبيات التي ينشرها ويكرّسها المشروع المعادي.

فتقديم الوعي على الانتماء وتكريسه كظاهرة عامة عند الأفراد وفي المجتمع يُسقط كثيراً من الأمراض لأنه حالة تناهض الاحتكام إلى السلاح، وتقدّم الحوار على العنف والإرهاب، حالة توضّح كيف يدفع العرب منذ عقود طويلة ضريبة الجغرافية السياسية الصهيوأطلسية بذيولها الرجعية العربية والعثمانية.

فلا يمكن نكران أن المجتمعات العربية يسودها الآن بعض مظاهر عصر الانحطاط، تلك المظاهر التي أوشكت حركة التحرر والاستقلال العربية على تقويضها بعد إفادتها من عصر النهضة العربية الحديثة في مطلع القرن الماضي. وللأسف فقد أسهم بعض مثقفي البترودولار  باستحضار هذه المظاهر من خلال مراوحتهم المرّة بين الإحباط والخيانة، دون أن يعملوا على تعزيز الأمل الوطني والعروبي في النفوس، وكانت هنا الخطورة التي استغلتها وسائل التضليل الإعلامي، فخيانة المثقّف خطيرة جداً كما يقول لينين بسبب قدرته الفائقة على تبريرها.

فمن منّا ينكر أن طروحات الوحدة العربية صارت «اليوم» أدراج الرياح، وأن الأمل بها والحلم صارا سراباً، وانتقل الأمر إلى الوحدة الوطنية أيضاً، وصولاً إلى وحدة المجتمع، فالعشيرة، فالحمولة، فالبلدة إذ صار الاحتراب حالة عامّة. لكن بالمقابل لا يستطيع عاقل نكران أن هذا المرض طارئ وليس مزمناً، فالشعور الوحدوي الوطني والعروبي قوة كامنة طالما نهض من بين الأنقاض ليحضر بقوة وفعل والتفاف جماهير الشعب العربي حوله من المحيط إلى الخليج. فالسوداوية الراهنة، والانهيارات الكبرى، مرحلة مؤقتة سرعان ماسيعقبهما النهوض القريب، والخروج من هذا المخاض بالوعي.

وهذا سؤال كبير يجابه المجتمع السياسي العربي بتياراته وأحزابه وقواه الوطنية والعروبية التقدميّة، وعليها مسؤولية النجاح في الإجابة عنه، وفي طليعتها حزب البعث بتاريخه النضالي، وبأدبياته القابلة للتجدد، وللحضور، وللتأثير أيضاً.

فلا شك في أن جماهير الشعب والأمة هي في الصميم وطنية عروبية تقدّمية، تعرف بحدسها، وبمصالحها وبوعيها أيضاً مخاطر الرجعية والمذهبية والجغرافية السياسية. وهي تتطلع اليوم إلى منقذ، ولطالما تطلّعت إليه وأكبرته في المغرب والمشرق.

ففي الوقت الذي أيّدت فيه أنظمة عربية رئاسة الكيان الصهيوني للجنة القانونية في المجتمع الدولي، وشاركت في مؤتمر هرتزليا لرسم ملامح استراتيجية الكيان بيّن في المؤتمر نفسه أنتوني بلينكن نائب وزير الخارجية الأمريكي مخاطر الدعم الأمريكي للكيان بـ8.5 مليون دولار يومياً، ورفض القضاء المصري اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية.

وفي وقت يدور فيه سجال ثقافي عربي حول مقابلة أمين المعلوف مع وسيلة إعلام صهيونية نجد البطل العربي السوري علاء غصون ينسحب من المباراة المؤهلة لبطولة العالم في الملاكمة ليس تعبيراً عن نبض الشارع العربي الرافض للتطبيع والاستسلام فحسب، بل تأكيد على أن شرفاء الأمة لن ينسوا شهداء الحق وأبطال الواجب، ولن يساوموا على القضية المركزية.

فإننا اليوم نسمع أصواتاً عديدة وحرّة في العالم تؤكّد أن سياسة الغرب والخليج تجاه سورية ظالمة، فرئيس الحكومة التشيكية الأسبق ييرجي باروبيك يوضّح ذلك «وأن سورية كانت دولة مستقرّة يعيش فيها مئات الآلاف من اللاجئين من فلسطين والعراق ولبنان وكانت متسامحة، الأمر الذي يجعل من الصعوبة إيجاد دولة عربية أخرى أكثر مثالية منها».

كما نقل موقع الاتحاد الألماني للأخبار m.dw.com وموقع غلوبال ريسيرش الكندي تأكيدات دوليّة «أن الذين ينتظرون واشنطن يجب أن يعرفوا أن جدول أعمالها لم ولن يكون أساساً لمكافحة الإرهاب، بل هو للتوصل إلى طريقة مناسبة لإنقاذ تنظيم القاعدة والمراوغة بمصطلح المعارضة المعتدلة».. وهذا غيض من فيض.

إن إعادة الاعتبار للأفكار الوطنية والعروبية ليست رومانسية ولا طوباويّة. وحين يكون العيش المشترك مهدداً فالجميع مهدد. وبالمنطق سينهض وعي جديد ينطلق من روح الأمة وطاقتها الكامنة.

سنبقى محكومين بالأمل، وقادرين على التفريق بين الثورة الحقيقية والثورة المضادة. ولنا جميعاً أفراداً ومجتمعات وأقطاراً وأمّة في صمود سورية شعباً وجيشاً وقائداً كل الثقة بالنصر.

عبد اللطيف عمران