سلايدسورية

تقييم عسكري لقرار إخلاء “الكليات” في حلب.. الأسباب والخفايا

عندما نتحدث في الحرب عن المحظورات فهي ليست مطلقة وعن الضرورات فهي  ليست مباحة.. فلكل مقام مقال ولكل معركة شروطها وظروفها التي تفرض نتائجها.

وانتقل من هذه المقولة لإجراء دراسة عسكرية تحليلية لكل ما حصل في حلب خلال الساعات الماضية فما حدث بالمستوى التكتيكي خسارة عسكرية مكتملة الشروط. وسأعود لدراسة أسبابها ومبرراتها العسكرية  المنطقية لاحقا.

أما في المستوى العملياتي فهي انسحاب ادى لخسارة مواقع عسكرية. اما استراتيجيا فهي معركة لا تؤثر على السياق العام للحرب إلا في نطاقها الجغرافي والزمني. فمن الناحية الإستراتيجية تعمل القوات المسلحة على خمس جبهات، وستة عشر اتجاها عملياتيا، وحوالي خمسمائة موقع وخط اشتباك.في المستوى التكتيكي.

وكلامي هذا هو المقدمة لدراسة منطقية بعيدة عن العاطفة ولأصل إلى عرض أسباب ما حصل مساء 6/8/2016 في حلب.

أولا- خاضت القوات المسلحة العربية السورية وحلفائها معركة دفاعية استمرت لخمسة ايام متواصلة وكانت المجموعات المسلحة في كل موجة هجوم تحقق نجاحا بسيطا من حيث المساحة والمسافة وتراكم هذه النجاحات مكنها من الوصول في ظهيرة 6/8 إلى أسوار كليتي التسليح والمدفعية.

وكانت الهجمات بشكل دائم تتم ليلا وذلك لأن شروط الرؤية الصعبة تمنع الطيران القاذف والحوامات من العمل بحرية وتفقده القدرة على التأثير على المهاجمين. واستخدام أسلوب الالتحام أي تنفيذ شروط ما يسمى المعركة القريبة حيث تتقدم قواتهم بسرعة فائقة فتكون أيضا منعت المدفعية والمدفعية الصاروخية الصديقة من العمل بحرية لأن المسافة صغيرة وستكون قواتنا ضمن منطقة تأثير هذه الأسلحة، وامتلاكهم الأسلحة الحديثة وخاصة المضادة للدروع والقناصات وأجهزة الرؤية الليلية التي زودت بها تلك المجموعات ومكنتها من العمل بحرية وفعالية ليلا.

بالإضافة لأمر آخر وهذا ظهر واضحا من خلال قدرة الحشد الكبيرة للمجموعات المسلحة وتعويض الخسائر البشرية والمادية من الاحتياطي الكبير الموجود في محافظة ادلب والرقة والذي استخدم بشكل فعال في الموجات الهجومية المتتالية.

والأمر الرابع هو الاستخدام الكثيف للعربات المفخخة التي بلغت المئات وكما ذكر المحيسني المفتي العام للإرهابيين بأن من استدعي من هؤلاء لصالح معركة حلب هم “أفضل الانتحاريين”.

والأمر الخامس هو الاستخدام الفعال للإعلام الذي حقق نصرا معنويا للإرهابيين قبل النصر العسكري وساهم في انجازهم بشكل فعال.

في المقابل _ الجيش العربي السوري وحلفاؤه بعد أن خاضوا معارك هجومية لأكثر من شهر لم يستطيعوا تنفيذ عملية نقل وتحشيد كافية للقوات لهذا الاتجاه، وكانت عملياتهم الدفاعية تفتقد للدعم الجوي الكافي لكون الصفوف متقاربة إلى جانب افتقاد إمكانية تعويض الخسائر وخاصة البشرية بسبب المساحات الكبيرة التي تعمل عليها القوات المسلحة، وعدم إمكانية استقدام القوات من شمال حلب.

وأدى الضعف الإعلامي أيضا إلى اعتماد المقاتلين وحاضنتهم الشعبية في كثير من الأحيان على وسائل إعلام العدو للحصول على المعلومات وهذا ما أثر على الحالة المعنوية للأصدقاء والحلفاء.

والذي حصل ليلة سقوط الثكنات هو ما يلي:

– صمت ناري من قبل المسلحين لمدة 2 ساعة.

– تسلل عشرات الانتحاريين إلى الأسوار الخارجية لكلية التسليح والمدفعية تحت ستار الظلام.

– عند اكتمال حشد الانتحاريين قرب الأسوار بدأ التمهيد الناري الغير مسبوق على خط دفاع الذي لم يكن قد اكتمل إعادة ترميمه.

– رافق التمهيد الناري اقتحام الانتحاريين للأسوار ونقاط الحراسة المتقدمة وهذا ما أدى لفتح الثغرات في الأسوار والدفاع.

– اقتحام عدد كبير من العربات المفخخة كموجة ثانية للخط الدفاعي مما أدى لشبه انهيار في الدفاع وبدأت عملية الانسحاب ولكن بشكل منظم.

– تقدمت عناصر المشاة الراجلة المدججة بالسلاح خلف هذه السلسلة واستطاعت اقتحام معظم النقاط داخل الكليات.

– هنا كان القرار بالتخلي عن الكليات واحتلال الخط الدفاعي الثاني. الذي يشكل خط الدفاع الأخير على هذا الاتجاه من أجل منع تطويق القوات المدافعة داخل الكليات، وتلافيا لزيادة الخسائر البشرية، ولإيقاف تقدم المجموعات الإرهابية باتجاه نقاط جديدة ولإعادة تجميع القوات واستخدام هذا الخط لبناء هجوم معاكس بعد اكتمال مقومات نجاحه.

هنا أعود للمحظورات وهي الانسحاب والتي أباحتها الضرورات وهي ضرورات عسكرية تتمثل بتأمين الانسحاب المنظم إلى خط دفاعي جديد لكي لا تصل الأمور للانسحاب العشوائي والذي يفقد القوات المسلحة كل إمكانية للتعويض وتتحول الانتكاسة التكتيكية  إلى خسارة على المستوى العملياتي.

أخيرا علينا إعادة دراسة مجريات هذه الحرب المستمرة منذ خمسة أعوام لكي نتأكد بأن جيشنا وحلفائنا قادرين على النصر ومصممين على نيله وما الانتكاسات التي تحصل هنا أو هناك إلا دافعا لزيادة التصميم والبذل والتضحية والعمل للوصول إلى النصر الناصع.

 

البعث ميديا || العميد هيثم حسون.