مساحة حرة

الحماقة الأمريكية.. وإمكانية التهور؟؟

لم يمض شهر واحد على عمر الاتفاق الروسي – الامريكي حول سورية ولم يتسنى للحبر الذي كتب به ان يجف حتى انقلبت الإدارة الامريكية عليه وانسحبت من كافة الالتزامات التي فرضها الاتفاق على الطرفين، وأعلنت بكل وقاحة وقف تعاونها مع الجانب الروسي في سورية، في الوقت الذي قدمت فيه روسيا ومعها الحكومة السورية والجيش العربي السوري كل ماهو مطلوب منهم، بل استخدمت الدبلوماسية الروسية النفس الطويل في تحمل الجلف الأمريكي والمراوغة التي سادت المباحثات والاتصالات بين الجانبين بخصوص الملف السوري، لكن كما يُقال في الأمثال الشعبية ” ذيل الكلب أعوج “، في حين اعتبر التنصل الأمريكي من الاتفاقات التي تم توقيعها في التاسع من أيلول الماضي في جنيف هو خطأ استراتيجي كبير من قبل إدارة الرئيس أباما كما وصفته الخارجية الروسية، وعلى الرغم من قناعة الجميع من القوى الكبرى بأن تحويل الاشتباك السياسي إلى صراع عسكري ليس من مصلحة أحد في الوقت الراهن، وخاصة الإدارة الأمريكية التي تواجه حالة من التخبط والفشل الكبيرين على مستوى سياساتها الخارجية الفاشلة، وهذا ما يعكس حالة القلق الظاهر في سلوك السياسيين الأمريكان وعدم الانسجام في القرار ما بين الخارجية والبنتاغون.
في ظل ما يحصل من مشادات كلامية تجاوزت اللياقة الدبلوماسية من قبل المسؤولين الأمريكان، السؤال الذي يفرض نفسه بعد كل هذا الشحن الغوغائي لحلفاء واشنطن في الغرب، هو: هل تصل الحماقة الأمريكية إلى حد التهور؟؟
على ما يبدو فإن روسيا أخذت التصعيد الأمريكي في التصريحات الإعلامية على محمل الجد، حيث أمر الرئيس فلاديمير بوتين بمرسوم رئاسي وقف العمل بالاتفاق مع الولايات المتحدة حول معالجة البلوتونيوم الذي كان قد تم توقيعه منذ ست سنوات على هامش قمة الأمن النووي في إشارة على أن أي تهور أمريكي غربي ضد روسيا سيواجه بقوة وبكافة الوسائل المتاحة، كما تم تشييد ملاجئ تحت الأرض في موسكو، وإن القوات الروسية في حالة تأهب تام تحسباً لاحتمال قيام الغرب بشن حرب نووية ضد روسيا وفق ما ذكرت صحيفة التايمز في تقرير لها نشره موقع ” زافيدا ” التابع لوزارة الدفاع الروسية، بأن الأمريكيين يحضرون أسلحتهم النووية لاحتمال استخدامها ضد موسكو!
تأتي هذه التطورات غير العادية بعد تصريحات وزير الدفاع الأمريكي “أشتون كارتر” بأن البنتاغون يُراجع وثائقه المتعلقة بالسلاح النووي تحسباً لاعتداءات محتملة من الروس (وفق ادعاءات الأمريكان)؟
نحن لم نُفاجئ من الموقف الأمريكي حول سورية، ومن التهديدات المبطنة التي عكستها التصريحات الأمريكية، بأن الولايات المتحدة تدرس خياراتها الجديدة في سورية ؟ لان الولايات المتحدة هي بالأساس من تقود الحرب الظالمة على سورية منذ بدايتها، وتؤمن كافة متطلبات استمرارها من رعاية ودعم مباشر وغير مباشر للإرهابيين عبر حلفائها في المنطقة وخاصة تركيا والسعودية وقطر والكيان الصهيوني، وذلك منذ أكثر من خمس سنوات ماضية، وتتحرك الإدارة الأمريكية بقوة تحت يافطة الوضع الإنساني وحقوق الإنسان التي باتت القناع الأمثل للنيل من الدول الخارجة عن الإرادة الأمريكية، وخاصة في سورية فعندما تتعرض العصابات الإرهابية لضربات قوية وجارحة من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه تسارع أمريكا إلى طلب الهدنة، وذلك بهدف تخيف الضغط عن عملائها الإرهابيين وافساح المجال لهم لإعادة ترميم وضعهم العسكري سيما بعد الفشل الواضح في فصل ماتسميه ” معارضة مسلحة معتدلة ” عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، وكانت الولايات المتحدة طيلة فترة الحرب تقف عائقا حقيقيا أمام أي تحرك فعلي تقوم به الأمم المتحدة أو أية جهة أخرى تتقدم بنوايا صادقة لإنهاء الحرب على سورية والتحرك نحو إنجاز الحل السياسي المنشود، من هنا أكدت وزارة الدفاع الروسية مؤخراً: على واشنطن الإعتراف بأن كل ما تسميه معارضة معتدلة من التنظيمات الموالية لها في سورية هي تابعة لجبهة النصرة الإرهابية.
في واقع الأمر ليس مستبعداً أي تصرف أحمق من قبل الإدارة الأمريكية التي خسرت كل رهاناتها السابقة تجاه تدمير سورية وتفتيتها وفق الأهداف التي تخدم المصالح الصهيو – أمريكية، لكن في الوقت ذاته على الإدارة الأمريكية أن تعي تماماً أن سورية تحتل موقعا جيوسياسيا حساسا جداً بين قارات العالم، وإن العدوان على سورية لن يكون نزهة سهلة كما يتوقع البعض من صناع القرار الأمريكي والغربي، بل ستطال شظاياه المنطقة برمتها وقد تهدد بتفجير الأمن الدولي برمته وبالتالي على الولايات المتحدة أن تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة تجاه أي تهور غير مدروس في سورية، لأن اللعب في أمن واستقرار المنطقة والعالم أكبر من بند في مشروع انتخابي صغير باتجاه البيت الأبيض ؟؟

محمد عبد الكريم مصطفى