مساحة حرة

تركيا في الخفاء … تؤدّي الصلوات الأطلسية

منذ بداية الأزمة السورية وتركيا تحاول التروّيج لنفسها كدولة اقليمية صاعدة يطمح ساستها للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، أو على الأقل الظهور بمظهر المتفوق إقليمياً، والثمن تسخير الدولة التركية كأداة لتنفيذ أجندة الدول الغربية، فكان تقديمها لنفسها كطرف أساسي في الأزمة السورية، فتدخلت تركيا عبر تقديم الدعم اللوجستي للجماعات المسلحة الإرهابية، تطور ذلك فيما بعد إلى التدخل عسكرياً بهدف مباشر حقيقي لمحاربة الأكراد على الأرض السورية تجلّى ذلك عبر تدخّلها  بمدينة الباب السورية، حيث روّج البعض آنذاك انه اتفاق خفي بين روسيا و تركيا من قبل.

فيما بعد ومن زاوية التسلسل الزمني طرأت محطة تاريخية بمتغيرات جديدة حرفت بوصلة العلاقات الدولية، حيث انحرفت تركيا نحو مسار جديد تمثل بعد حدوث تحولات داخلية مثل الانقلاب العسكري الأخير والتباعد مع أمريكا، والتوجّه نحو روسيا ، لتجذبها روسيا بعد ذلك للمشاركة بوضع حلول الأزمة السورية على حد تعبير المثل الشعبي القائل: الحق الكذّاب لوراء الباب، وبالفعل تم لروسيا ما أرادت.

وبما أن تركيا اليوم طرف فالتساؤل هاهنا هل فرضت نفسها أم ان هناك من فرضها بالقوة؟

ولعل الجواب بيد أمريكا التي اختارتها أن تكون مترجماً وبوابةً وأداةً لسياساتها، وأثمر التفويض الأمريكي بتحقيق بعض النتائج المتوخاة من الحرب على سورية، فقد دعمت بالسلاح، ودمرت بنى تحتيه سورية، وحاربت الكرد خارج حدودها، ونجحت بإبعادهم عن حلم دولة كردية تهدد امن تركيا.

وكان للتقارب التركي من روسيا أسبابه: فهو يشكل بغالبه هزيمة لتركيا التي حاولت التعويض عبر روسيا على حساب سورية، فهي إذنً تسعى لمكانة اقليمية بعد خساراتها وطموحاتها الدولية بأقل التكاليف – اصطدام بإيران كطرف لا يقبل المساومة على تفوقه الإقليمي – وهنا اصطدام اساسه التنافس ولكن دخول ايران رغم شكلية دورها كطرف مثله مثل تركيا التي تضبط مسلحيها اليوم يعني انصياع تركي بشكل ما وإقرار بعجز عن تحقيق المكانة الاقليمية التي طمحت لها ، لذا الارتدادات ستبدأ وستتمثل بخضوع لقرارات روسية ايرانية، وفقدان الحكومة التركية مصداقيتها عند الحركات الإرهابية وبالتالي ففي الفترة القادمة سيقوم بعض الناقمين من المتطرفين بهجمات ضد تركيا وهو ما حدث من فترة وجيزة.

وللتنويه ليس من باب الصدق ستدخل تركيا كطرف سياسي، بل من باب التضحية بالجزء كي لا تخسر الكل، فمقارنة المسلحين التابعين لتركيا مع المكانة الإقليمية لها سيفسر التجاوب التركي في بعض أجزاءه أيضاً، لأن الواقع العملي يظهر تناقضاً ما في المعاملة الواقعية التركية حيال الوضع السوري، فاستقبال وتدريب وتسليح المعارضة ومن ثم الدعوة للأسلوب السياسي ، وكفالة المسلحين يشير أنها لن تعجز عن ايجاد صيغة ما للتوافق مع المسلحين بما يبقيهم ورقة بيدها من جهة ويجنّبها الاصطدام بهم من جهة ثانية ، وبتالي فإن دخولهم لمؤتمر الاستانة ينطوي على قدر عالِ من المجازفة وليسوا صادقين في مسعاهم على الأمد البعيد حتى لو قاموا ببعض الخطوات الوهمية التي تستخدم كأدلة على جهودهم السياسي، من ناحية ثانية سيكون مؤتمر الاستانة في خفي الأمر مؤتمر لتقاسم الغنائم، وهذا ما كشفته ذلّات اللسان، أو الغباء التركي عندما أصروا على استبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي من مؤتمر الأستانة ، فهم لا يريدون مفاوضات معه، بل اجتثاث نهائي ستبعد الشبح الكردي عن الساسة الأتراك الحاليين المرهفي الإحساس، وبالتالي استمرار الاقتتال ، والتدخل، ووقوع الأراضي السورية ضحية للتجاذبات وعمليات الاستقطاب ويبقى العامل الحاسم الذي يُعول عليه هنا هو القوة الروسية في فرض توجهاتها واحترام منجزاتها.

التوصل إلى اتفاق له ظروفه وهي معروفة بالنسبة للظرف السوري، وله شروطه التي تبرز كثمن للتوصل إلى صيغة الاتفاق لا سيما في ظل أنهماك الطرف صاحب العلاقة أي سورية في شؤونه الداخلية، كالاتفاق الذي أعلنت موسكو و انقرة لوقف إطلاق النار في سورية بدءاً من منتصف ليل الخميس 29 ديسمبر/2016  الذي تضمّن خطوات تنفيذيه بضمانات روسية تركية، وبتالي نجحت تركيا بتثبيت مكانتها الإقليمية تاركةً السعي لمكانه دولية محترمة عير الاندماج بأحلاف عالمية لحكومات تركية مستقبلية في ظل ظروف تخلي الأقارب الأطلسيين عنها، الذي نزحت نتيجة تخلخل وعود البعض منهم واغلاق أبواب الأخر في وجهها بدليل موقف التحالف الأميركي من دعم «قسد»، ورفض الاشتراك مع التركي في معركة الباب كما رفض تقديم أي مساعدة له فيها، من جهة واستشعاراً بضعف موقفها ورغبتها في البقاء إلى الحضن الروسي، ولكن على الأغلب أنها لن تغير انتمائها بسب ظروف أنية ، ناهيك عن حقيقة المتغيرات الدولية التي تعتبر متغير مستقل والجميع يستفيد منه ويتأثر به سواءً سلباً أم إيجاباً.

إن الإعجاز التركي في القدرة بعد سلسلة من النكسات الداخلية و الخارجية لتصدر المشهد السوري كطرف رئيسي، دليل على وجود خطة متكاملة لبقية الأطراف في جذب الطرف التركي مع العلم أن تركية باتت طرفاً غير ذو مصداقية و غير مرحب به من أغلب السوريين ، الأمر الذي سيقود في النهاية إلى ترسيخ واقع عملي في بنية النظام الدولي عنوانه العريض التعدد القطبي، وهنا ينكشف الصراع وأهم أبعاده المتمثلة في محاولة كل طرف دولي جذب أكبر عدد من الحلفاء إلى حلفه، ولذلك فإن تركيا التي تتعامل حالياً” بعنجهية و كأنها هي المنتصرة لكن حقيقة الأمر غير ذلك، والواقع يقول : أنها كما استخدمت أدوات في داخل سورية فأن الأكبر منها كدول يستخدمها أداة في لعبة أكبر من حدود الجغرافيا السياسية السورية واليوم وقعت تركيا بالفخ الروسي الإيراني، وبلعت الطعم، بدليل أن التسوية السورية لن تنهي الحرب في سورية، وما تقوم به القيادة السورية في كسب عامل الزمن عبر الاستفادة من المستجدات الدولية، وتقليل الخسائر البشرية إلى أبعد مدى، والاعتماد على حنكة الحلفاء لا سيما أن المصالح المشتركة عملاقة تستحق التضحية.

من جهة ثانية إن الاشتراك التركي في سلسلة المؤتمرات الدولية، ونهج سبيل الضغوط السياسية بعد الفشل العسكري المتمثل بمعركة حلب، وما قامت به بعدها من مجموعة حركات توهم بالاهتمام والحرص على الحل السياسي للأزمة السورية يشير إلى محاولة تركية بأن ما لم تحصل عليه تركية خلال خمس و سنوات و نيف من الحرب تحاول أن تحصل عليها بالسياسة.

أخيراً وفي صدد ترتيل تركيا للصلوات الأطلسية في قاعة مؤتمر الأستانة نرى أنّ الساسة الأتراك يتصدرون الشاشات واضعين شروطاً تخدم أعداء سورية بشكل مباشر، ولا تأثير لها على مسار الحل السياسي، بل وتنطوي على مصالح تركية شديدة الخصوصية، ومن جملة هذه الشروط ما ذكره  ريزان حدو عضو مجلس قوات سورية الديمقراطية من قبيل عدم جواز بقاء الأسد في منصب الرئاسة، وإخراج حزب الله من سورية، واستمرار عملية درع الفرات في منطقة الباب التي اعتبرتها الحكومة السورية منذ بداياتها انتهاك للسيادة السورية، والعامل الأهم اتفاق الهدنة يستثنى منه حزب الاتحاد الديمقراطي – ووضع فيتو على حضوره المباحثات التي من المزمع عقدها في الاستانة ، وهنا تتضح غاية أخرى  من مشاركة ورضوخ أعداء سورية في مؤتمر الأستانة، لسبب بسيط يكمن في اعتقادهم أنّ هذا المؤتمر سيكون مؤتمراً لتقاسم الغنائم في سورية، ليفوز الطرف التركي بمناه الذي ناضل ظلماً وعدواناً لتحقيقه، هذه المؤشرات تعطي انطباعا” بأن تركية لا تملك الإرادة الحقيقية لإيقاف الحرب في سورية إلا إذا حققت مصالحها في الداخل السوري بأتم وجه، والتي تتعارض مع سيادة الدولة السورية قيادةً وأرضاً وشعباً.

أن الخطوات التركية الأخيرة بجزء كبير منها ليست إلا محاولة لكسب الوقت و ملأ الفراغ و إيقاف سلسلة الهزائم التي تعرضت لها منتظرةً بذلك عودة ووصول المرشد الأعلى الأمريكي المنتخب ترامب إلى قبّة البيت الأبيض، لأن أي مؤتمر دولي مهما بلغت الأطراف من القوة سيكون منقوصاً، ومعرض لكم هائل من التهديدات بغياب واشنطن و الرياض وقطر وغيرهم من الأعداء الذين تتناقض مصالحهم بشكل تام مع عودة الخمود إلى البركان الدموي الذي تسببوا به في سورية.

خاص – البعث ميديا|| أ. ساعود ساعود