مساحة حرة

جعجعة ترامب …والطحين الروسي ؟؟

 

كما هي عادة كل الإدارات الأمركية عبر التاريخ الأمريكي الأسود، تقول أثناء حملاتها الإنتخابية كلاماً وتطرح مشاريعا ووعودا تختلف كلياً عما تنفذه خلال وجودها في السلطة، إضافة إلى البراعة التي تتمتع بها الإدارة الأمريكية ( أية إدارة ) في التقلب والخداع على اتفاقاتها مع شركائها على الساحة الدولية، وهذا ينطبق كذلك على إدارة الرئيس “دونالد ترامب” الذي قدم وعوداً وردية أثناء حملته الانتخابية تتمثل في إعادة صياغة الاستراتيجية الأمريكية بما ينسجم مع القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة والبداية مع التعاون الوثيق والبناء مع روسيا الاتحادية كقوة عظمى تلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين وتدافع عن القانون الدولي على كافة الساحات ومنها ساحة الشرق الأوسط التي أشعلتها إستراتيجية الفوضى الهدامة بنيران حروب إرهابية تكفيرية أكلت الأخضر واليابس في دول كانت تعيش حالة من الاستقرار والتنمية المميزة ومنها سورية، منتقداً سياسة سلفه في كل ما يتعلق بإنشاء ” داعش ” وبقية التنظيمات الإرهابية ودعمها في وجه الدولة وحكومتها الشرعية، ترامب الذي ظهر كبطل انقاذ لأمريكا من خطيئة الإرهاب والاستثمار الظالم فيه، بدأ حياته السياسية في البيت الأبيض بقرارات عنصرية وعدائية ضد الإنسانية مظهراً عدائه لشعوب سبعة دول ومنع شعوبها من دخول الولايات المتحدة، وهي الدول الأقل في تصنيع الإرهاب وتصديره إلى دول العالم بمن فيها أمريكا، وعلى ما يبدو تناسى الرئيس الأمريكي بأن 19 إرهابياً من أصل سعودي من بين الـ 26 إرهابي الذين قاموا بإعتداءات الحادي عشر من أيلول في أمريكا حتى يستثني السعودية ودول الخليج من قراره الظالم ؟

شكل اتصال الرئيس ” ترامب ” بملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وما تسرب من الإعلام السعودي المنافق عن اتفاقات، حالة من عودة الحياة إلى النبض السعودي المتهالك الذي أخمدته انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه على التنظيمات الإرهابية المدعومة من النظام السعودي وفي مقدمتها ” داعش، وجبهة النصرة “، وسحب البساط من تحت أقدامه النجسة بإعادة تموضع نظام أردوغان وضبه تحت الجناح الروسي الإيراني المتنامي دوره في المنطقة، فإتصال ترامب وتقديمه لعروضه الجهنمية بإقامة مناطق آمنة في سورية وتهديده السعودية بأن عليها أن ترسل قواتها البرية إلى سورية لمحاربة داعش تحت غطاء جوي أمريكي، أو عليها أن تدفع فاتورة قيام الولايات المتحدة بمحاربة داعش التي أصبحت تهدد أمن ومستقبل المنطقة العربية برمتها، من المؤكد بأن جواب السعودية الغارقة في أوحال المنطقة من اليمن إلى العراق وسورية : إنها تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر وهي مستعدة ( مع بقية دول الخليج كما جرت العادة سابقاً ) على دفع المبالغ التي يتطلبها تنفيذ الخطة التي تلقفتها السعودية بحمية ونذالة تعكس صورة الأعراب الصهاينة  المعاديين لسورية .

السؤال هنا بعد كل ما سمعناه عن تناغم أمريكي روسي على لسان الرئيس ترامب نفسه قبل وصوله إلى البيت الأبيض وبعدها، هو: ما هو الدور الروسي تجاه المناطق الآمنة التي تسعى إدارة ترامب لإقامتها؟ وما هي طبيعة ودور تلك المناطق ؟ وما هي مساحتها وأماكن تواجدها؟

في الواقع كان الرد على لسان السيد سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية الذي قال : ” إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجب أن يكون أكثر تحديداً بشأن اقتراحه إقامة مناطق آمنة في سورية …وتابع إن محاولة تنفيذ مثل هذه السياسة الحمقاء في ليبيا كانت مأساوية ..آملاً أن تبحث روسيا القضية مع وزارة الخارجية الأمريكية بمجرد أن تنتهي من وضع خطط أكثر تفصيلاً عن المناطق الامنة ..” .

ومن الملاحظ بان إدارة ترامب ترفع سقف المطالب قبل الدخول في أي حوار مباشر مع الجانب الروسي الذي استبعد أي دور أمريكي حول سورية في اجتماعات الأستانا التي حضرتها وفود من الدولة السورية وممثلين عن بعض التنظيمات المسلحة  وحضرتها الولايات المتحدة بحد أدنى من التمثيل كحضور وليس مشاركة في الحوار،  وستحتضن العاصمة الكازاخية اليوم السادس من شباط فريق عمل تقني روسي إيراني تركي لمناقشة الامتثال لنظام وقف الأعمال القتالية الذي دخل حيز التنفيذ في 30 كانون الأول الماضي، وبحث مسائل أخرى متعلقة بالأزمة السورية، وهنا نجد أن الجعجعة الأمريكية فاقدة الدسم وعديمة الفائدة أمام الطحين الروسي الذي يُنتج خارطة طريق موضوعية في طريق الحل السياسي للأزمة السورية المنتظر.

محاولات الرئيس الأمريكي خلق حالة من التناسخ والترابط بين قوات ” قسد ” ذات الغالبية الكردية، مع مسخ جديد يقوده أحمد الجربا رئيس ما يُسمى بتيار ” الغد  المعارض ” والذي يُطلق على جناحه العسكري اسم ” قوات النخبة السورية ” هو محاولة لإعادة تطمين تركيا بوقف دعم الأمريكان ” لقوات سورية الديمقراطية ” والتركيز على قوات مساعدة غير كردية، رغم تأكيد أكثر من جهة حصول ” قسد ” على هذا الدعم بسلاح نوعي وحديث .

ما يعنينا من كل هذه المعمعة والتباين والمراوغة الأمريكية، هو أن اعتمادنا بالدرجة الأولى على قواتنا المسلحة الباسلة وحلفائها الشرفاء في معركة المصير ضد الإرهاب بكل أشكاله وانواعه، ولن تتوقف المعركة إلى بتحرير كامل الأراضي السورية وعودتها إلى سلطة الدولة الواحدة الموحدة التي أقرتها القرارات الدولية بكل صراحة ووضوح لا لبث فيه ..وثقتنا بأصدقائنا وحلفائنا شركاءنا بالدم كبيرة وغير قابلة للمساومة، وثقتنا بتحقيق النصر ثابتة ومعززة بإنجازات جيشنا الباسل على الأرض …

محمد عبد الكريم مصطفى