ثقافة وفن

لأنك الأبد

دع عنك لوم نفسك إن وجدت في نفسك وهناً أو حتى تعباً عظيم البأس، فما رأيته ومرّ عليك يجعل حتى الجبال تحاول ألا تقع والأشجار تفعل استطاعتها كي لا تهرم والجداول تسعى حثيثة لتبقى على قيد الجريان فلا تجف.

بالتأكيد سيصيب منك بعض اليأس بسهامه التي لا تخطئ مرمى روحك، تلك التي تشهرها كراية من نور في وجه كل هذا الظلام الذي لا ينفك يشتد ويصبح أكثر قسوة وقتامة، وأنت تسير بين ألغام الوقت الصعب الذي صار أشد وطأة في أي لحظة منه من كل ناشئة الليل،ومن المفروغ منه أنك ستتكئ بمرفقيك وركبتيك أيضا على الأرض ،لكن رأسك الذي تحمل كل تلك المشقة سيبقى يتلفت بين الجهات وهو يعرف أن النسمات في القصب نشيد والريح في ماسورة البندقية أغنية موت عذبة المطلع.

ترى إلى السنون كيف تهر كورق الخريف أمام قدميك وكيف تيبس الأيام على أكتافك، كيف يموت من هرب من الموت في البحار ومن الجوع وفقر دم الكرامة، وكيف تاجر البعض بدمك، لكنك على سلاحك أبدا وكأنكما توأم بروح واحدة، قد تذهب أنت ويبقى عنك يقاتل.

الحق أقول لك أننا هاهنا لم نعد نراك نبيا كما كنا نفعل من قبل، الآن ننظر إليك وكأنك الأبد وكل ما عداك بدد، نرنو إلى الحياة تتدفق من بين شعيرة بندقيتك وأصبعك الحنون على الزناد كرفيق أمين .

لم نعد نحصي الساعات في غيابك وأبطلنا عادة التذمر مما تدفع حياتك ليصبح ممكنا لنا، ونعلم أنك تعلم أن ثمة هجرانا راسخا في قلوبنا، لكن بقائك راسخا على يقينك شيء أخر لا علاقة لمشاغل الدنيا وأحوالها فيه.

ما يبقيك راسخا ثابتا مؤمنا صاحيا كسلاحك، صار غلال قلبك وما فيه من حنطة بقاء وخلود تذره كل صباح في تراب الوطن كل الوطن وفي المساء تجلس ويداك تلف سيجارة، تبغها كان والدك قد زرعه في البستان الصغير خلف بيتكم، ثم تنظر إلى كرومك كيف أينعت تباشير صبح سيندلع من تحت “بسطارك” عما قليل.

الموت حط على كتفك كصقر وبين عينيك هدأت روح الحرب كطفلة صغيرة أتعبها اللعب فأسلمت غفوتها لمن لا يغفو ولا ينام.

أخبروك أن الموت أن تخسر كل شيء مقابل أن تربح قسطا تافها من الراحة، فقلتَ : لنا الصدر دون العالمين أو القبر.

تمّام علي بركات