ثقافة وفن

عذراً “أحلام”.. “شهياً كفراق” لا يليق بك

لطالما كنت أدخل عالمها الأدبي الجديد بشغف يستحوذ عليّ ولا يغادرني منذ بداية الحرف الأول وحتى نهاية الكلمة الأخيرة، ولعلّني تعودت ذلك منها لدرجة لم أقبل معها أن يتدنى ذلك الشعور، أو أن يخفّ وهجه، ولو لدرجة واحدة.

مجحفٌ من أعلن أن على الأديب أن يستمر في تقديم أعمال أدبية متتابعة حتى يبقى متواجداً في الساحة الأدبية، وفي ساحة الذاكرة؟!.

من قال إن الإبداع واجب؟ وكيف يمكن للإبداع والقسرية أن يلتقيا!!.. وكم من الأدباء لم تحفل مسيرتهم الإبداعية إلا بعمل وحيد كان كفيلاً أن يخلّدهم؟..

اعترافٌ لا بدّ منه؛ أدلت به الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي في مستهل عملها الجديد، حيث تملكها الرعب لفكرة انقضاء خمس سنوات دون أن تقدم جديداً، ما يعني أن هذا العمل جاء نتيجة قسرية لواقع خافت أن يرافقها، فأتى “شهياً كفراق” استجابة لخوفها أو قلقها الأدبي أكثر منه استحابة لإبداعها.

الغريب في عملها الجديد، افتقاده لكينونة أو هيكلية واضحة، فهو ضائع بين السرد الشخصي للأديبة والرسالة والخاطرة وبين الرواية التي تجلت بوضوح في القسم الثاني من الكتاب، وقصدت بالغرابة هنا أن أحلام لم تنتهج هذا النهج سابقاً، ولم تعودنا على هذا النوع الأدبي من قبل، بل لعلّ أهم ما يميز أعمالها السابقة، إضافة للغة الشاعرية المتمكنة التي تمتلكها، قدرتها على أن تقدم عملاً أدبياً متيناً متكاملاً حيك بقوة واقتدار، فمهما تشعبت أفكاره، التاريخية، السياسية والعاطفية، ومهما تعددت فصوله، إلا أنها كلها تصبّ في النهاية في مجرى واحد وهو العمل الكلي الموحد، وهو النوع الأدبي الواحد، وهذا ما لم يتضمنه عملها الجديد.

كتاب أحلام الجديد؛ “شهياً كفراق”، مؤلف من خمسة أجزاء؛ ترجمت الأجزاء الأولى منه معاناة الأديب مع قلة إنتاجه الأدبي، وكيف يتحول إلى عصي الحبر، كما تناولت ملهمات الإبداع، والحاجة إلى بطل حقيقي ملهم للرواية، وتحدثت عن الحداد الأدبي على شخصيات رواياتها، وطول الفترة الزمنية التي يحتاجها الكاتب للخروج من شخصيات العمل الأدبي السابق، وأشارت إلى مصيبة الانترنت ومدى استحواذها على جل وقتها واستنزاف طاقتها الإبداعية، ومدى حاجة الإبداع للعزلة والعتمة.

كما احتوى الكتاب على ست وعشرين رسالة وجهتها لصديقتها، وهي إنما أرادت التوجه لقرائها بشكل غير مباشر، تحدثت عبرها عن الحب والخسارة والوفاء والنسيان، حيث تحمل كل رسالة قيمة شعورية ومعنوية توجهها لقرائها.

وخلال الرسائل تتجلى الراوية، وهي تجربة عاطفية غامضة شائقة تعيشها الروائية عبر الانترنت ليعيش القارىء معها كل مراحل التجربة الشعورية بتوازن وصدق، وكعادتها، تبدع الأديبة في وصف المشاعر بعمقها وتفاصيلها وأبعادها.

احتوى ” شهياً كفراق” على الكثير من المشاعر الإنسانية التي خبرت الأديبة وصفها والتجوال في دهاليزها بحدس المستكشف وبقوة العارف المتمكن.

الكتاب في أجزاء منه بثٌّ لأفكار الكاتبة وهواجسها واعترافاتها، ومامرت به من مواقف وذكريات أرادت أن توثقها عبر الكلمة في الكتاب، وما يحسب لها في هذا الجزء، الشفافية العالية التي تجلت معلنة عن أحلام الإنسانة التي تضج بالأفكار والتساؤلات التي تبدأ ولا تنتهي، فكتبت ما كتبت وكأنها تحادث نفسها وهذا ما أعلنته في الكتاب.

العمل الجديد احتوى من عناصر الجودة ما يكفي لتصنيفه كعمل أدبي مختلف، لكنه لم يرتق بالقدر الكافي كي يليق بصاحبة “فوضى الحواس” و”ذاكرة الجسد”.

“شهياً كفراق” صادر عن دار نوفل- بيروت- ٢٠١٩ م

هديل فيزو