مساحة حرة

شاعرات ولكن…

ظاهرة هي الأغرب ربما تنتشر وبكثرة لا تصدق على صفحات كتاب الأوجه “الفيس”، وهي شهادات التقدير وما يشابهها، تلك التي تفوز بها “شاعرات” حصرا من شاعرات الفيس بوك، فكل يوم تطالعك إحداهن بصورة لكرتونة عليها كلام استحسان كذاك الذي يوزع على طلاب المرحلة الابتدائية، مثل الامتياز أو التقدير، وهي أي الكرتونة التي تعترف بشعرية هذه الصبية أو تلك  المرأة، بعد أن قامت بوضعها على صفحتها مع وافر الشكر للجهة التي قدرت “شاعريتها” ومنحتها تلك الكرتونة، جهة لا مرجعية حقيقة لها، ويمكن لأي كان صنعها على “الفوتو شوب” والغريب في الامر، أن الجهة المانحة، ليست دار نشر مثلا، ولا حتى وسيلة إعلامية، بل هي صفحة زرقاء لأحدهم، أو للعديد من الرجال، الذين يستعذبون تلك القصائد، ومن شدة ولههم بالشعر، لا يفوز بتلك الكراتين الملونة، إلا (الشاعرات)، ربما على اعتبار ان حساسية المرأة الشعرية، أكثر انفتاحا من شاعرية الرجال، وهكذا ألفينا بين ظهرانينا شاعرات لا يشق لهن غبار، دون أن يكون أحد سمع بقصائدهن إلا ذاك “الجنتل مان”، أو ذاك )المهتم) بجمالية القصيدة وصاحبتها.

قصائد بالتسمية، لكنها فعليا هلوسات، لا يدخل عليها أي شرط إبداعي، وهي في معظمها مما يُنسب لقصيدة النثر، والنثر أو النثيرة كما سماها أحد الشعراء الكبار، يستسهل الكثير من (الشاعرات الفيسبوكيات) الخوض فيه، فلا قواعد فنية وشكلية تضبطه، ولا إيقاع يُصعّب الأمر على شاعراتنا “البديعات”.

المشكلة تجاوزت مرحلة الحالات الفردية، لتكون حالة شبه عامة، ويبدو أن أحد أهم شروط الفوز بكرتونة التقدير المزخرفة تلك، هو الجمال الخارجي للشاعرة أولا، فإن كانت لا تحمل هذه الصفة، لن تحظى بالاعتراف المجهول النسب لشاعريتها، أيضا من شروط (الفوز) العجيب هذا، هو مدى قابليتها للحديث والتفاعل مع تلك الجهة المجهولة وغيرها، وهي في عمومها تُمنح من قبل “رجال” الشعر أخر ما يشغل بالهم، وهكذا اختلط الحابل بالنابل، فمن تقرض الشعر بحرفية، ضاعت قصائدها ونتاجها الإبداعي بين ما هب ودب مما يسمى قصائد، وهي كما اسلفنا لا تحمل من صفات القصيدة حتى الفكرة، لنقرأ المقطع التالي لواحدة من الشاعرات الفائزات بالكرتونة المزوزقة: أنا يا هذا لست من تعتقد/ خماري حبر الكلام/وبين يدي يقف سهمك الغائر في جوانيات الروح/ وجسدي صفحات لتكتب عليها ما تشاء/ فلا تترك الفواصل ونقاط النهاية وعلامات الاستفهام واقفة بيينا/ دونك هذا القلب وما فيه من غبار اللازورد، وهو يسطع لا لشيء ولا لأحد، فأنا أنا وأنت أنت منذ بداية التكوين”، بالتأكيد لم نضع النص كاملا لكثرة الهرطقة التي تحويها، هذه القصيدة مثلا، والتي لا يوجد فيها من الشعر حتى اسمه، فازت بلا شيء، والمقابل معلوم غالبا، وكأن صفحات التواصل الاجتماعي تحولت إلى شبكة عنكبوت، لا يصطاد إلا شاعرات الغفلة، وهذا الوصف ليس من فراغ، فبين اليوم والآخر، تخرج لدينا شاعرة في اليوم الواحد وأحيانا عدة شويعرات فائزات بنفس الجائزة اللامادية، دون أن تكون المنافسة هي الطريق للفوز والاعتراف بالشعرية، لكن ممن؟ هل من يقدم تلك الكراتين كصورة على حيطان الفيس عليها اسم الشاعرة مع تمجيد لقصيدتها الجسدية المهمة حقيقة!، يعرف معنى الشعر أساسا؟ السؤال ليس مستهجنا، بل هو مطلوب والإجابة عليه ضرورية، خصوصا أن معايير الشعرية عند هذه أو تلك، هي شيء آخر، مختلف كل الاختلاف عما تعارف عليه أهل الشعر بشكل عام، وكل ما يتطلبه الموضوع، هو بعض من المفردات والجمل الغير مفهومة، مع رشة إثارة غرائزية، والبعض من الجمل الملطوشة من هنا أو هناك، حتى أن من يقرأ واحدة من تلك (القصائد)، سوف يشعر فورا أنه قرأها مئات المرات، لكم كما قلنا شروط الفوز بالكرتونة، تحتاج فقط لحديث متبادل على “الماسنجر”، وبعض الدلال، ذاك الذي ينفش صاحبته، كما ينفش البيض قالب الكاتو، والمعنى في قلب الشاعر.

تمّام علي بركات