محليات

الحلم المسلوب

يبدو أن ملف الأطفال المتسولين تضخّم وأصبح من الظواهر الذي يشكل تحدياً أمام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والجمعيات الأخرى لتصبح أطفال الشوارع قصص نراها كل يوم في الأحياء المظلمة وعلى الطرقات المتعرجة بلا شفقة، للأطفال بعمر الزهور سلبت منهم الظروف القاسية طفولتهم وأحلامهم وأمانيهم واختفت الابتسامة عن وجوههم القاسية إلا من يعثر على بقايا  طعام أو يحظى بعطف و تبرع من أحد المارة.

ومع ازدياد الحالات التي سببتها الحرب الإرهابية على البلاد يبقى الملاحقة و الحبس ليس الحل مع هؤلاء الأطفال الذين يسكنون في الشوارع كونهم تعرضوا للضرر الجسدي بصقيع الشتاء ولهيب الصيف وربما العقلي والنفسي فلم يشاهدوا  يوماً متعة في حياتهم حتى أقلامهم وكتبهم كغيرهم بل يخيم عليهم الليل كل يوم ليبتلعهم جميعاً من دون حضن دافئ يضمهم أو يتذوقون لذة الجلوس حول مائدة الطعام النظيفة من أيدي الأمهات ما يشاهدوه في الحلم لا يلمسوه في الواقع.

لم يشعروا هؤلاء الأطفال بسعادة سماع أصوات ضحكات فرحة العائلة الدافئة داخل الجدران الأربعة البيضاء بل يجتاحهم برد داخلي لفقدان الأم والأب وحلم محطم وسؤال يتردد بقلوبهم الموجوعة  :

” ماذا سوف أصبح عندما أكبر؟!

و رغم تبني الحكومة و المنظمات الأهلية والأممية قضايا الأطفال لجهة العناية والحماية  إلا أن أزمة نفسية تظهر على المشهد العام لهذه الشريحة الضعيفة البعيدة كل البعد عن أعين المعنيين والمنظرين في المحافل الدولية لاسيما بعد تعرض الطفل لمشاهد القتل و الإرهاب على أيد العصابات المسلحة  ظهرت حالات لا إرادية من حالات خوف ورعب وهلع في حين أصبح البعض الآخر عدوانياً يمارس سلوكه المكتسب  على  الحيوانات المتواجدة  بالشارع بربطها وخنقها وتعذيبها، ولا تختلف أيام هؤلاء الأطفال المتسولين فمن شروق الشمس وحتى مغيبها تكون الشوارع والحدائق منزلهم يبحثون عن المال لتأمين قوت يومهم بهناء و يدفئوا برد بطنهم وقلبهم .

برامج المعالجة لهذا الملف خجولة جداً وسط غياب وربما عدم كفاية برامج  الدعم والعلاج النفسي الذي يقدم  للأطفال ولاسيما المتسولين منهم، و إذا افترضنا أن هذه السلوكيات تقع في بداية المتصل ومنتصفه ففي نهايته يمكن لنا أن نتكلم عن طائفة من الإمراض والاضطرابات النفسية كالاكتئاب بأنواعها والقلق والحالات الذهنية واضطرابات الكلام الذي يصيب الأطفال عقب الصدمات، اضطراب  الشدة ما بعد الصدمة.

إن ظاهرة تشرد الأطفال من أهم الظواهر الخطيرة التي نواجهها في مجتمعنا في ظل الظروف التي يعاني منها المجتمع والحروب وأزمات الحصار الاقتصادي فاقمت هذه الظاهرة التي تشكل خطر كبير في الأيام المقبلة إن لم يتم معالجتها بالشكل الصحيح ووقائي لا بالسجن  والغرامة و المحاسبة بل من خلال ضم هؤلاء في حواضن عمل ليكونوا منتجين بعد توعيتهم وتثقيفهم وعلاجهم نفسياً الذي قد يستمر لعشرات الأشهر.

آلاء أحمد الصيص