صوت “داعش” الإنكليزي يخرج من الظل
لطالما انشغل العالم بصوت وكلمات وحتى لهجة المعلق على مقاطع الفيديو التي تروج لتنظيم “داعش” الإرهابي، فصوت ذاك المعلق كان له تأثير كبير في شد انتباه المتابعين، وحتى في بعض الأحيان استطاع بصوته أن يجند عدداً لا بأس به عبر ما يسمى تحريك المشاعر والأحاسيس، ومؤخراً كشف النقاب عن هذا الصوت المجهول، وخرج من الظل إلى العلن، إنه محمد خليفة، المواطن الكندي الذي يبلغ من العمر 35 عاماً والذي ولد في المملكة السعودية وينحدر من أصل إثيوبي.
يتحدث الرجل الانكليزية بطلاقة مع لهجة أمريكا الشمالية، وكان يمضي في سرد عدد لا يحصى من أشرطة الفيديو والبث الإذاعي الخاصة بتنظيم “داعش” والتي كانت جميعها بمثابة التبشير المجهول للجماعة الإرهابية للأمريكيين وغيرهم من المتحدثين باللغة الإنكليزية الذين يسعون لمعرفة المزيد عن أيديولوجيتها السامة.
درس في جامعة تورنتو، وعمل سابقاً في تكنولوجيا المعلومات في شركة تعاقدت معها شركة IBM.ألقي القبض عليه في سورية نهاية شباط 2019 من قبل الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة، وبالتحقيق معه اعترف أنه الصوت المجهول لدى “داعش” الذي اكتسب شهرة في فيديو نشر عام 2014 والمعروف باسم “Flames of War”.
وقد وصف نفسه بأنه موظف في وزارة الإعلام في “داعش” وهي الوحدة المسؤولة عن نشر لقطات وحشية مثل قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي، وحرق الطيار الأردني.
مؤخراً كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن اللقاء الذي أجراه مراسل الصحيفة مع خليفة في سجن شمال شرق سورية، حيث قال خلال المقابلة التي استمرت لساعة معه: إنه هاجر كطفل من المملكة السعودية إلى تورنتو، وتعلم التحدث مثل الكثير من مواطني كندا. وقال: إنه درس تكنولوجيا أنظمة الكمبيوتر وعمل لدى شركة مقاولات قبل مغادرته إلى سورية، واعترف برواية “Flames of War”، وهو شريط فيديو دعائي لعام 2014 يظهر إعدام سجناء سوريين.وبحسب الصحيفة يقول تشارلي وينتر، كبير الباحثين في المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينغز كوليدج في لندن: “صوته هو الصوت الأكثر شهرة في اللغة الإنكليزية الذي ظهر في دعاية داعش”.
وللتحقق من مزاعم خليفة، طلبت صحيفة التايمز البريطانية من ثلاثة خبراء في الطب الشرعي الصوتي مقارنة الصوت المجهول على شريط فيديو “Flames of War” مع بيان متلفز قدمه خليفة بث في سورية بعد وقت قصير من القبض عليه. وعلى الرغم من أن هذه التحليلات ليست كافية، إلا أن الخبراء الثلاثة خلصوا إلى أنه من المرجح أن يكون خليفة هو المعلق.
وللتأكد من هوية صوت خليفة، ابتكر روبرت سي ماهر، خبير التعرف على الصوت في جامعة ولاية مونتانا في بوزمان، برنامجاً طيفياً يقارن نطق كلمات معينة في مقاطع الصوت، وخلص إلى أن “لهجة الكلام والإيقاع والنطق هي نفسها في مقاطع الترويج لـ داعش”.يمثل إصدار فيديو “Flames of War” في 19 أيلول 2014، نقطة تحول لـ “داعش”، كونه جاء بعد أقل من ثلاثة أشهر على الدعوات لتأسيس ما يسمى “الخلافة”. فقد أظهرت تقنيات التحقيق أن مقطع الفيديو الذي تم تصويره جزئياً بواسطة إرهابي من “داعش” مجهز بكاميرا GoPro.
خليفة الآن هو من بين مئات من مقاتلي “داعش” من حوالي 50 دولة في السجون في شمال سورية، كما يحتجز الآلاف من زوجاتهم وأطفالهم في معسكرات الاعتقال، ويتمتعون بحرية التنقل بين الخيام ولكنهم غير قادرين على المغادرة. وكندا هي واحدة من العديد من الدول التي كانت مترددة في استعادة مواطنيها بحجة أن أدلة ساحة المعركة قد تعتبر غير مقبولة في المحكمة، ما يجعل من الصعب تأمين الملاحقات القضائية.
وبعد شهر من القبض عليه، قال: إنه لم يتلق زيارة من السلطات الكندية أو عرض عليه المساعدة القنصلية، حتى أن شرطة الخيالة الكندية الملكية رفضت التعليق على اعتقاله، كما فعلت وزارة الخارجية الكندية.كان السيد أمارناث أماراسينغام، أقدم باحث في معهد الحوار الاستراتيجي في تورنتو، من بين أوائل من اهتموا بالاتصال بالمعتقل الكندي بعد ملاحظة لهجة مميزة للمتحدث في فيديو “داعش” يتفاخر بهجمات 2015 في باريس.
وفي رحلة بحثية إلى سورية، مُنح السيد أماراسينغام والصحفي ستيوارت بيل حق الوصول إلى مقاتل كندي تم أسره هناك، وخلال تواجدهما هناك التقيا بمقاتل يدعى محمد علي الذي أكد لهما أنه التقى وصادق المعلق على شرائط الفيديو الخاصة بـ “داعش”، واصفاً إياه بأنه كندي من أصل أفريقي يستخدم اسم أبو غي رضوان.وفي مقابلة مع التايمز، وافق الإرهابي محمد علي على الاستماع إلى تسجيل صوتي لـ خليفة الذي تم اعتقاله مؤخراً، “هذا هو” صرخ قائلاً. إن هوية خليفة باعتباره المعلق لم تكن معروفة على نطاق واسع في “الخلافة”، لكن في بيان متلفز، مدته أقل من دقيقتين بعد أن اعتقلته “قسد”، عرف خليفة نفسه بأنه مقاتل من “داعش” وأعطى اسمه محمد عبد الله محمد، كان البيان المختصر كافياً للمحللين لمعرفة صوت المعلق على الرغم من إنكاره في البداية.وفي مقابلة مع التايمز، تحدث خليفة بحضور اثنين من مسؤولي السجن الأكراد، وأوضح أن اسمه القانوني هو محمد خليفة، وهي التفاصيل التي أكدها السيد أماراسينغام، الذي كان على اتصال مع أحد أصدقائه في طفولته في كندا. قلل خليفة من أهميته في “داعش” وأصر على أنه لم يظهر في أي فيديوهات إعدام باستثناء تقديم السرد الصوتي، وهو ادعاء لا يمكن التحقق منه على الفور لأن معظم الجلادين كانوا يرتدون أقنعة.وقال: إنه وُلد في جدة بالمملكة السعودية، لوالدين من أصل إثيوبي، وحصل على دبلوم في تكنولوجيا أنظمة الكمبيوتر من كلية سينيكا في تورنتو وقاد حياة عمل غير ملحوظة كأخصائي في تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك لشركة Kelly Services، وهي شركة تابعة لشركة IBM التي لم تعلق على هذا الادعاء. وبالفعل تم التواصل مع شركة Kelly Services عبر الهاتف وأكدت أنه تم التعاقد مع محمد خليفة من قبل الشركة في أيار 2009 إلى نيسان 2010 في ماركهام، أونتاريو.بحلول عام 2013، كان خليفة يستمع إلى محاضرات عبر الإنترنت من قبل أنور العولقي، داعية تنظيم “القاعدة”، وقال: إنهم أقنعوه بضرورة الجهاد، خاصة بعد مشاهدته شريط فيديو يظهر مجموعة من المقاتلين البريطانيين الذين يتحدثون الإنكليزية على الخطوط الأمامية في سورية، ما أعطاه إحساساً بأنه يمكن أن يكون بينهم.وأكد أنه عبر الحدود إلى سورية في عام 2013 وانضم في البداية إلى “لواء المهاجرين والأنصار” بقيادة عمر الشيشاني، وهو متشدد جورجي أصبح وزير حرب “داعش”، وتعهد لـ عمر الشيشاني بالولاء لـ “داعش”.
في أواخر عام 2013، وقبل إعلان “الخلافة” في عام 2014، قال خليفة: إنه بدأ بالفعل العمل في وزارة الإعلام التابعة لـ “داعش” وهي من بين أكثر الأجهزة أهمية في التنظيم الإرهابي. وقال: إنه كان يعمل مبدئياً كمترجم عبر تحويل النسخ العربية إلى اللغة الإنكليزية قبل أن يُطلب منه العمل كروائي، وعندما سئل عن مقاطع الفيديو التي كان يعمل عليها، أجاب مثل “لهيب الحرب”. وأكد أن الوحدة الإعلامية كان يقودها أبو محمد الفرقان، أحد المقربين العراقيين لزعيم تنظيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، وقال: إن رئيس الإعلام، الذي قُتل في غارة جوية في عام 2016، شارك بشكل وثيق في فحص عمل المجموعة، واستعراض البرامج النصية، وكان يصر دائماً على أن مقاطع الفيديو الخاصة بالإعدام يجب أن تتميز بمجموعة متنوعة من القتلة، لذلك كان يبحث عن الجلادين المثاليين، وكان حريصاً بشكل خاص على العثور على أشخاص من جنسيات مختلفة للتأكيد على النطاق العالمي للمجموعة.لقد قام الفريق الإعلامي بتنفيذ عمليات الإعدام باستخدام كاميرات ثابتة، وGoPros، وطائرات بدون طيار، ثم قام الفريق بتسليم اللقطات الأولية على بطاقة SD إلى مكتب الوحدة الإعلامية، داخل فيلا على نهر الفرات على بعد 12 ميلاً خارج الرقة، سورية. وقال، هناك، قام فريق التحرير بالتحميل على اللقطات المصورة، ورسم القصص المصورة للقوس السردي، وإضافة المؤثرات الصوتية والسرد. ادعى خليفة أنه لم يكن له أي دور في تصوير أو تنفيذ المشاهد التي رواها، والتي شملت نشر كاميرات تحت الماء لالتقاط الغرق المفاجئ للسجناء، مؤكداً بالقول: “كنت مجرد صوت” تم اختياره لهذا الدور من قبل المشرف الأسترالي الذي أطلق عليه اسم أبو عبد الله.
في البداية، قال خليفة، تم تسجيل الصوت في استوديو محترف، بجدران مصنوعة من الرغوة لامتصاص الصوت المحيط، استخدموا البرنامج Magix Samplitude لتحرير الصوت، وتم بث المنتجات النهائية من خلال طبق القمر الصناعي المحمول، ولكن بعد اشتداد الضربات الجوية انتقلنا إلى المراكز الحضرية بدءاً من الرقة، والانتقال من منزل إلى آخر، مدركين أن القرب من المدنيين ساعد في حمايتهم.واختتم أنه مع تقلص مساحة تنظيم “داعش”، طُرد الفريق الإعلامي من الرقة، لكنه بقي نشيطاً حاملاً معه طبق الأقمار الصناعية. لقد شعروا بالقلق من أن الطبق قد يهدئهم، لكنهم استمروا في نقله. في الأسابيع الأخيرة التي سبقت القبض عليه، قدر خليفة، أن هناك ما لا يقل عن 20 ناشطاً إعلامياً في الجيب الأخير للمجموعة في سورية. وبحلول الوقت الذي تم إلقاء القبض عليه، قال خليفة: إنه توقف عن العمل في وحدة الإعلام والتقط بندقية كلاشينكوف للدفاع عن “داعش”، ولكن بعد معركة مسلحة طويلة ألقى سلاحه واستسلم.
ترجمة وإعداد: قسم الدراسات والترجمة – دار البعث