الشريط الاخباريسلايدسورية

دورنا يقتصر على الرقابة.. نحيلي: نعمل في المحكمة الدستورية العليا للحفاظ على مبدأ سمو الدستور

جاء اعتراض السيد الرئيس بشار الأسد على قانون مجلس الدولة الذي أقره مجلس الشعب، أمام المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستورية بعض مواده، ليؤكد أهمية القضاء الدستوري في الرقابة على دستورية القوانين.
عضو المحكمة الدستورية العليا القاضي المستشار الدكتور سعيد نحيلي في حوار مع “البعث ميديا” قال: إن دستور الجمهورية العربية السورية أكد على مبدأ سمو الدستور، ففي سورية قضاء دستوري متخصص ممثل بالمحكمة الدستورية العليا، منحها المشرّع الدستوري اختصاصات واسعة هدفها حماية الدستور من انتهاكات السلطات العامة، وعلى رأس هذه الاختصاصات الرقابة على دستورية القوانين، والإشراف على انتخابات رئاسة الجمهورية، والنظر في الطعون الانتخابية بخصوص الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
الرقابة السياسية
وبيّن القاضي نحيلي أن آليات الاتصال بالمحكمة الدستورية العليا متعددة، فقد تضمن الدستور السوري ومن بعده قانون المحكمة الدستورية العليا اختصاصاً للمحكمة، حيث أجاز لرئيس الجمهورية رخصة الاعتراض على القوانين التي أقرها مجلس الشعب وأحالها إليه بغية إصدارها، وفي هذه الحالة ولدى وصول الاعتراض إلى المحكمة الدستورية العليا تستطيع أن تتخذ قراراً بإلغاء النص المعترض عليه أو النصوص المعترض عليها إذا ثبت لها عدم توافقها مع الدستور نصاً وروحاً.
وهذا النوع من الرقابة يسمى الرقابة السابقة على دستورية القوانين، أي الرقابة التي تباشرها المحكمة قبل إصدار القانون ووضعه في التداول التشريعي.
ومنح المشرّع للمحكمة الدستورية العليا صلاحية تفسير نصوص الدستور بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو من رئيس مجلس الشعب أو من رئيس مجلس الوزراء، وعندئذ تقوم المحكمة بتفسير مضمون النص الدستوري المطلوب تفسيره، وتصدر قراراً بهذا الشأن ينشر في الجريدة الرسمية وهو ملزم لكل السلطات.
وتمارس المحكمة الدستورية العليا في سورية اختصاصاً استشارياً، حيث يجوز لرئيس الجمهورية أو لرئيس مجلس الشعب إحالة نص قانوني لها قبل إصداره وإبداء رأيها بمدى دستورية هذا النص.
الرقابة القضائية
والحالة الثانية التي يتم الاتصال من خلالها بالمحكمة تتم عن طريق ما اصطلح على تسميته “الدفع الفرعي” بعدم دستورية قانون أو مرسوم تشريعي أو لائحة، حيث يتقدم صاحب الشأن بدفع في معرض الطعن بأحكام القضاء أمام “محاكم الاستئناف- محكمة النقض- المحكمة الإدارية العليا”، مدعياً عدم توافق النص الذي طبقته محاكم الدرجة الأولى مع الدستور، عندئذ تتحقق المحكمة المطعون أمامها من شرطين أساسيين، هما جدية الطعن من جهة، ولزوم النص المطعون بعدم دستوريته للفصل في الدعوى من جهة ثانية، وتصدر حكماً بوقف النظر بالدعوى الأساس، وتحيل الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا التي من صلاحيتها التثبت من الادعاءات الواردة في الطعن، وعند الثبوت يصدر الحكم بإلغاء النص القانوني المشكو منه، ويعدّ حكمها ملزماً لجميع السلطات وينشر في الجريدة الرسمية وهذا ما يسمى في نطاق الرقابة على دستورية القوانين “الرقابة اللاحقة”.
ثقافة الرقابة
وبيّن الدكتور نحيلي أن ضعف حركة الدفوع الفرعية المقدمة من المتقاضين والمتعلقة بعدم دستورية بعض القوانين راجع لعدة أسباب قد يكون أبرزها: ضعف ثقافة الرقابة على دستورية القوانين لدى العاملين في الحقل القانوني، وعدم إيلاء الاهتمام الكافي لمبدأ التدرج القانوني، وهذا بدوره ناجم عن تقيد القائمين على تطبيق القانون بحرفية النص من دون إعارة أي اهتمام لمدى توافقه أو عدم توافقه مع النص الأسمى، ومن ثم تبقى النصوص المشوبة بشبهة عدم الدستورية نافذة لأنها لا تجد من يتقدم بطعون ودفوع بعدم دستوريتها.
ولتلافي هذا الأمر يمكن إقامة لقاءات وجلسات نقاش في مجال الرقابة على دستورية القوانين، مع رجالات القانون المعنيين بتطبيقه “قضاة- محامين”، وأن يكون أسلوب النقاش المعتمد بعيداً عن المحاضرة النظرية، بل متجسداً بحالات عملية ليصار إلى استنتاج مدى توافقها أو عدم توافقها مع الدستور، كما يمكن خلال اللقاءات الإطلاع على تجارب الدول البارزة في هذا المجال ولنا في القضاء الدستوري المصري والجزائري وغيره مثال يُظهر مدى أهمية مبدأ سمو الدستور.
رخصة الاعتراض
أما فيما يخص حالة ندرة -إن لم نقل انعدام- الاعتراض على دستورية القوانين من مجلس الشعب أمام المحكمة الدستورية العليا، فقد أوضح القاضي نحيلي أن رخصة الاعتراض منحها الدستور لرئيس الجمهورية وخُمس أعضاء مجلس الشعب، وعليه فقد تم من الناحية العملية تفعيلها عن طريق السيد رئيس الجمهورية بالاعتراض على دستورية بعض القوانين قبل إصدارها مثال “قانون مجلس الدولة”.
أما الصلاحية الممنوحة لخُمس أعضاء مجلس الشعب للاعتراض على دستورية قانون ما قبل إصداره فلم يتم استعمالها حتى تاريخه، وقد تكون لهذه الحالة أسبابها الموضوعية، ولكن نأمل أن يصار إلى تفعيلها مستقبلاً فنحن أمام مرحلة سياسية ودستورية وقانونية جديدة تتطلب جهداً كبيراً من ممثلي الشعب.
الرقابة فقط
وفيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تقوم به المحكمة الدستورية العليا لتعديل التشريعات النافذة والصادرة بما يتوافق مع أحكام الدستور بعد مرور المدة التي حددها الدستور لإجراء هذا التعديل الذي نصت عليه المادة 154 من الدستور والمحددة بمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية، كشف القاضي نحيلي أن تطبيق المادة 154 من الدستور التي تقضي بضرورة قيام السلطة التشريعية بمواءمة التشريعات النافذة قبل نفاذ الدستور بما يتوافق مع أحكامه، إلا أن العمل بتلافي التشريعات التي لا تتوافق مع الدستور مازالت بطيئة ونحن بحاجة للتركيز على هذا الأمر.
فيما يخص دور المحكمة الدستورية العليا إزاء ذلك، المحكمة ليست مشرعاً وإنما يقتصر دورها على مراقبة دستورية التشريعات ولا يمتد دورها إلى تعديل هذه التشريعات أو وضعها ابتداء، إذ إن هذه المهمة تدخل في اختصاص السلطة التشريعية أصلاً أي القضاء الدستوري يحكم ولا يشرّع.
ودعا نحيلي في ختام حديثه السلطات ذات الشأن أن تسارع وفق الأسس التشريعية إلى تعديل تلك التشريعات وإزالة المخالفات الدستورية منها ليكون البناء القانوني للدولة بناءً سليماً وصلباً وخالياً من الشوائب.

خاص البعث ميديا || سنان حسن