ثقافة وفن

شواهد تاريخية.. مدرسة بغداد للتصوير

تعدّ مدرسة بغداد للتصوير المدرسة الأولى في تصوير الصور المصغرة (المنمنمات) في الوطن العربي التي ظهرت بشكلها العام، ولقد تعددت تسميات هذه المدرسة في الكتب مثل المدرسة (المثيربوثامية) أي مدرسة بلاد الجزيرة أو ما بين النهرين، والمدرسة العباسية، وكذلك المدرسة (السلجوقية)، وينسب إلى هذه المدرسة ما رقمه الفنانون في صور مصغرة في المخطوطات العربية الإسلامية التي يرجع عهدها إلى خلافة العباسيين.

ولقد تركت مدرسة بغداد للتصوير إرثاً في التصوير، أهمه فيما بين القرن السادس والقرن -الثامن الهجريين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين- في رسوم المخطوطات التي يأتي في مقدمتها العمل الفذ الذي أتمه بإبداع (يحيى بن محمود بن يحيى الواسطي) في مخطوطة (مقامات الحريري)، وتعدّ هذه المدرسة أحد الفروع الرئيسة للمدرسة العربية التي تعد أول مدارس تصوير المخطوطات في الإسلام، والتي انتشر تأثيرها إلى كل أقطار الدولة الإسلامية العربية المترامية الأطراف حينذاك، وكانت أقدم المخطوطات العربية الإسلامية المصورة بعض ما ترجم وألّف في الطب والعلوم والحيل الميكانيكية، وأشهرها كتاب (الجامع بين العلم والعمل) للجزري، ثم كتاب (عجائب المخلوقات) للقزويني، ولقيت الكتب الأدبية حظاً وافراً في العناية، خاصة كتاب (كليلة ودمنة)، و(مقامات الحريري)، وكان وجود الصور في كل هذه الكتب إيضاحاً للمتن وشرحاً له، ويمكن القول: إن أغلب المخطوطات العربية المصورة في القرن الثالث عشر إنما هي ترجمات للقصص التي كتبها الشاعر الهندي (بيدبا) ولمؤلفات يونانية في علوم النبات والحيوان والطبيعة والطب، ومن أقدم المخطوطات التي ترجع إلى المدرسة العراقية كتاب (البيطرة)، كتب في بغداد سنة 605ه- 1209م وهو محفوظ في دار الكتب المصرية في القاهرة.

تمتاز المدرسة العراقية في التصوير العربي الإسلامي بأنها عربية، فالأشخاص في منتجاتها تلوح عليهم مسحة سامية ظاهرة، وتغطي وجوههم لحى سوداء فوقها أنوف قنواء، وكثيراً ما نرى في الصور المرسومة في المقامات دقة التعبير والمهارة في تصوير الجموع، وأكاليل النور، والملابس المزركشة وغيرها، وكان المصورون في تلك المدرسة يميلون إلى استخدام الألوان البراقة الخاطفة، ولعلهم يقصدون جذب الأنظار، ثم التعويض عما فاتهم من قصور في التجسيم والمساحة والمسافة، وتمتاز صور هذه المدرسة بالبساطة في الرسم والتكوين الإيقاعي الذي يعتمد على الحساسية في توزيع العناصر، وما تشتمل عليه من خطوط وكتل، وتتألف مدرسة بغداد من عدة مخطوطات مصورة تحتوي على الصور المصغرة (المنمنمات) وقد أنجزت هذه المخطوطات في القرن (13) الميلادي في أنحاء متفرقة من العراق وسورية ومصر، وهي الآن موزعة بين المكتبات في القاهرة، واستنبول وباريس ولينغراد وفيينا ولندن، وغيرها.

د.رحيم هادي الشمخي