صحة

«الرقص» متعة أم علاج؟

لم يعد الرقص فنا من الفنون الشعبية أو الترفيهية أو مرتبط بالمناسبات والحفلات والأعراس فقط كما النظرة المجتمعية المعتادة إليه، بل دخل صلب العلاج النفسي والجسدي وكوسيلة حديثة  في القرن العشرين لما له من قدرة على علاج مشكلات العظام وتحسين الحالة النفسية لممارسيه، ناهيك عن أهمية الرقص في ربط حركات الجسد بالروح والحالة الإيمانية والطقوسية مثلما تجسد عند الصوفيين الذين لجؤوا إليه للتواصل مع ذواتهم وللتعبير عن الإيمان والمحبة الإلهية.

واليوم بعد توالي الأزمات التي أثقلت كاهل المواطن السوري بات الكثيرون من الجنسين وعلى مختلف الأعمار يلجؤون للرقص سواء في السهرات المسائية أو في النوادي كـ”الزومبا والديسكو والدبكة وغيرها” للتنفيس وباعتباره حلا زهيدا لا يضيف عبئا إلى أعبائهم المادية الكثيرة.

وللحديث عن الرقص أنواعه والفرق بينه وبين التمارين الرياضية وتوظيفه في علاج الحالات النفسية والعضوية وغيرها من المحاور كان لـ”البعث ميديا” حديثا مطولا مع الأخصائية الاجتماعية الأستاذة أمل قدور التي زوّدتنا وأغنت استفساراتنا بالمعلومات القيّمة والشيّقة.

 

متعة أم تعب

يعتبر الرقص وفق الأخصائية متعة يقوم بها الفرد بسعادة، بينما التمارين الرياضية تؤدي إلى التعب والإرهاق فهي تركز على عضلات الجسم المختلفة لذا يلجأ الأغلبية إلى ما يسمى بالرقص الرياضي.

زومبا و ديسكو

بحسب الأستاذة قدور هناك أنواع عدة للرقص: منها الرقص الشرقي – زومبا “التي انتشرت كثيرا في الآونة الأخيرة وخاصة في النوادي الرياضية ” الديسكو – السالسا- الدبكة الشعبية – الرقص المعاصر – رقصة الجاز – الرقص برودواي – رقصة النقر – الهوب هوب.

 

تواصل غير منطوق

يعتبر العلاج عن طريق الرقص “الحركة” تقنية من التقنيات التي بدأ استخدامها في أمريكا منذ عام 1940 وتستخدم تقنيةDMT كوسيلة لمساعدة الإنسان على تحقيق التكامل العاطفي أو الاجتماعي أو المعرفي أو الجسدي من أجل صحة ووجود أفضل، والكلام للأخصائية التي تضيف بأن الرقص تقنية تعتمد على العلاقة بين الروح والعقل والجسد، وتستخدم عندما يعجز الأشخاص عن التعبير عن مشاعرهم بالكلمات، فيقوم بالتعبير عن ذلك من خلال الحركات التي يكون لها مدلولات عند المعالج كما تكون مدلولات الرسوم أو التمثيل أو الغناء أو الكتابة.

يستند العلاج بالرقص والحركة على فرضية أن الجسم والعقل يتفاعلان مع كل حركة يقوم بها الإنسان بشكل واع أو غير واع والكلام للأستاذة أمل التي أضافت بأن هذه الحركات تعبّر عن الشخص من الداخل ويصبح الشخص أكثر وعيا بجسمه، فالحركة وسيلة للتواصل غير المنطوق، حيث يتم التركيز على الإيقاع والحركة وكيفية دمج حركة الجسم في الاتجاهات الأربعة للمكان.

مشاركة أفكار

وفيما يخصّ جلسات العلاج، توضح قدور بأنها قد تكون فردية أو جماعية، فبعض الأشخاص يشعرون بالارتياح أكثر عندما يقومون بمشاركة أفكارهم ومشاعرهم مع المعالج فقط لذلك يلجؤون لجلسات علاج فردي.

بينما البعض يفضّلون جلسات العلاج الجماعي لأنهم يواجهون صعوبة في التواصل مع الآخرين.

وعندما يتم استخدام هذه التقنية – تقول قدور- لا نقصد بأنه يتم استخدامها طيلة الوقت وإنما قد تكون لمدة 5 دقائق خلال الجلسة ويتم متابعة العلاج من خلال التحدث مع بعضهم البعض والتعبير عن مشاعرهم في حال جلسة جماعية ويتم ملاحظة مدى ملائمة هذا العلاج أو لا، فهذه التقنية قد تكون مناسبة للبعض وغير مناسبة للبعض الآخر ويعود السبب بالدرجة الأولى لتقبل الشخص لآلية العلاج وحضوره طوعا.

علاج نفسي وعضوي

أثبتت العديد من الدراسات فاعلية العلاج عن طريق الرقص “الحركة” كتقنية في

الحالات الآتية التي ذكرتها الأخصائية: القدرة على التعبير العاطفي، معالجة الاكتئاب، الفصام، اضطرابات طعام، مرض التوحد حيث يحسّن من قدرتهم على إرسال رسائل لفظية قصيرة وقدرتهم على خلق محادثات قصيرة، وكذلك بالنسبة لأصحاب الاضطرابات الشخصية، الصم والبكم يقلل من العزلة التي قد يشعرون بها، المكفوفين أو ضعف البصر يساعد على زيادة مهارات حركية للشخص ووعيه بالمحيط الخارجي، تعزيز الثقة لدى الأشخاص وخاصة ثقة المرأة بذاتها وبجسمها، التخفيف من العنف”السلوك العدواني”، اكتساب مهارات التواصل الاجتماعي.

ولا يقتصر استخدام الرقص كعلاج للحالات النفسية بحسب قدور بل يعالج أيضا العديد من الأمراض العضوية مثل آلام المفاصل وارتفاع ضغط الدم – القلب والأوعية الدموية – السمنة – السرطان.

وردا على سؤال حول صدى هذا النوع كعلاج نفسي تقول الأستاذة أمل  للأسف لم ينال هذا الجانب اهتماما في بلادنا كعلاج مع وجود انتشار النوادي التي تعطي جلسات رقص شرقي أو زومبا أو دبكات شعبية، إلا أنها لا تدخل حيز العلاج النفسي واستخدامها كتقنية، يعود ذلك لعدم الوعي بضرورة اللجوء لطبيب أو معالج نفسي بالدرجة الأولى عند وجود مشكلة أو اضطراب نفسي، ومن جهة أخرى لا يوجد وعي كاف باستخدام هذه التقنية كتقنية علاج بسبب بعض التحفظات المجتمعية من جهة ومن جهة أخرى عدم قناعة المعالجين النفسيين بفعالية هذه التقنية.

الأطفال والرقص

وفيما يخص الرقص بالنسبة للأطفال ودوره في العلاج النفسي توضح الأخصائية بأنه يستخدم كوقاية بالدرجة الأولى من خلال مجموعة من أنشطة الدعم النفسي التي تعتمد على الإيقاع والتي تساعد الطفل على التعبير عن مشاعره وزيادة الثقة بالذات ويعزز التطور العصبي ويطور الوعي المكاني ويحفّز على الإبداع والتأكيد على لغة الجسد وتنفيس لاحتياجات الطفل  ويخفّف من التوتر ويخفف من سلوك العدوانية وتحافظ على اللياقة البدنية والشعور بالمتعة  وتحسن التواصل.

نصائح

تنصح الأستاذة أمل بضرورة اللجوء إلى اختصاصي نفسي قبل تفاقم المشكلة، والجلوس مع الذات وكتابة أهم المشاكل التي تواجهه وترتيبها حسب الأهمية، ومن ثم البدء بوضع الأسباب الحقيقية وراء كل مشكلة ومن ثم وضع جميع الحلول الممكنة لكل مشكلة وبعد ذلك اختيار الحل المناسب وكيفية تطبيق هذا الحل والتخفيف من التوتر والرعاية الذاتية: عن طريق تمارين الاسترخاء كالقراءة – التأمل – اليوغا – الرياضة – الرقص – الرسم – الكتابة ممارسة أي هواية تحبها عمل أشياء جديدة لم افعلها من قبل كالحديث لأشخاص ايجابيين – التخطيط للمستقبل.

وصمة عار

لازال ينقصنا الوعي حول أهمية اللجوء إلى طبيب نفسي في حال التعرّض لمشكلة نفسية والكلام للأخصائية التي أرجعت السبب للوصمة التي قد تلحق بنا نتيجة الذهاب علما بأن الأمر بات ضرورة ملحة وخاصة في وقتنا الراهن.

في آخر المطاف مهما كان العلاج والتقنية المستخدمة سواء الرقص أو غيره فلن يحقق نتيجة مرجوّة ما لم يكن المريض على قناعة تامة بجدواه.

 

البعث ميديا||ليندا تلي