ثقافة وفن

“قيد مجهول”.. بداية عودة يكتنفها الطّموح

تعود الدراما السورية إلى الواجهة مجدداً، بعد خمول طال أمده، العودة كما تبدو لافتة مع بدء العروض الدرامية الرّمضانية، ومن الواضح أن المنافسة ستكون مختلفة هذا العام، وسط حضور واضح للأعمال السورية التي حجزت مكانها الخاص في زحمة العروض، ورغم ضرورة التمهّل حتى تأخذ هذه الأعمال حقها من المتابعة قبل إطلاق الأحكام، فيما يخصّ تقييم المستوى والأداء، وتمييز مدى قدرتها على إعادة تجديد ذاتها بذاتها، واستعادة مكامن قوتها من جديد، إلاّ أنّ أغلب ما تمّ عرضه حتى الآن يوحي بالاختلاف وتتبدّى في ملامحه علامات تبدو فارقةً..

الملفت أنه قبل بدء الموسم الرمضاني، وفي محاولة للتغريد خارج السرب، انتهى عرض مسلسل “قيد مجهول”، في اختيار توقيت جديد وجيد للعروض الدرامية، في مسعى لا بد منه للتحرر من قانون الشهر الواحد، وعدم حصر العروض بالشهر الرمضاني فحسب، بل بتوزيعها على مدار العام، وهذا ما لوحظ خلال العام الفائت وهذا العام، حيث لم تعد شركات الإنتاج تقصر عرض أعمالها على شهر رمضان فحسب، مبتغاها في ذلك الهروب من زحمة العروض الدرامية وإعطاء العمل حقه من المشاهدة والمتابعة، وهذا ما كان للمسلسل السوري القصير “قيد مجهول”، حيث أتيح للعمل مساحته الخاصة من متابعة الجمهور والنقاد، فأحدث ضجة واسعة إعلامياً وعلى مواقع التواصل بمشاهد وصور مقتطعة منه، وُصفت بالمخلَة، وسواء كانت إثارة هذه الضجة متعمّدة أم لا، إلا أنها روّجت بشكل أو بآخر للعمل ومتابعة أحداثه.

تمكّن السدير مسعود من بدء مسيرته الإخراجية بعمل فني مختلف، اجتمعت فيه أغلب مقوّمات العمل الجيد، من النص المشغول بطموح للكاتبين لواء يازجي، ومحمد أبو اللبن، بعناصر تكوينه القابلة للتطور والتماسك أكثر، إلى الرؤيا الإخراجية الخاصة لمسعود الذي يسعى إلى إثبات حضوره بعين إخراجية تلاحق أدق التفاصيل التي تصنع الفارق وفق رؤية بصرية عميقة لها أبعادها المختلفة، وصولاً إلى الأداء المحترف للممثلين، ليخرج العمل الذي كسر قيد الثلاثين حلقة مكتفياً بثماني حلقات كانت كفيلة بإبعاده عن الشطط والمشاهد المجانية، مقدماً طروحاته الخاصة حول الخير والشر، والضعف والعدوانية، والمجتمع والإنسان..

ما ميّز العمل هو دخوله في دهاليز الطب النفسي ومحاولته رصد حالة نادرة لكنها موجودة، وإن تفاوتت درجتها، فتعاطف المتلقي مع هذه الشخصية المضطربة بالذات تأتّى من ضعفها وخوفها، ليكتشف أن الكامن خلف هذا الخوف ما يخيف أكثر، ورغم التّبعثر في الخيوط الدرامية الذي قد يصيب المشاهد بالتشتت والضياع في الحلقات الأولى، إلا أن ذلك يمكن تفسيره بمحاولة صناع العمل منح المتلقي مساحته للتحليل والتّوقع وصنع حبكته الخاصة، ضمن سياق درامي نفسي بوليسي، ومعالجة لا تخلو من الكثير من الرسائل الاجتماعية والإنسانية.

يمثّل العمل الجديد خطوة تضاف إلى ما قبلها وتمهّد لما بعدها من خطوات عودة الدراما السورية إلى طريقها، فأمام إرثها الذي لا يستهان به، وفي ظل الأثر التنويري والاجتماعي الذي ساهم، بشكل أو بآخر، بالبناء الفكري للمشاهد، لم يعد مقبولاً أن تستمر في التراجع وأن يخفّ وهجها، في ظلّ حضور مجموعة كبيرة من الشباب الموهوبين الذين تبقى الآمال معقودة عليهم، ولا بدّ أن تتاح لهم الفرص المناسبة التي يستحقونها لإثبات جدارتهم بما يليق بهم وبما يليق بدرامانا.

 

البعث ميديا|| هديل فيزو