الشريط الاخباريصحة

الوقاية.. ثقافة مجتمع وأسلوب حياة

قبل نحو قرن أجبرت الأوبئة، التي انتشرت في بلدان شرق أسيا وحصدت أرواح الكثيرين، الناس على وضع أقنعة الوجه لحماية أنفسهم ومنعاً لانتقال المرض، ومنذ ذلك الوقت تحولت أساليب الوقاية هذه إلى نمط حياة يتبعونه للحد من أي عدوى محتملة، خاصة في ظل ما تشهده مدنهم من تلوث.
ومع بدء جائحة كورونا والتحذيرات من خطورتها وأهمية الوقاية منها، رأينا تفاوتاً في مسألة تقبل الشعوب للكمامات واتباع العادات الصحية، فالآسيويون الذين اعتادوا على ارتداء الأقنعة لم يكن الأمر غريبا عليهم، في حين عانى مواطنو دول أخرى من مسألة الالتزام بها باعتبارها دخيلة على حياتهم..
مسألة وضع الكمامة أثارت جدلا كبيرا في العالم، فهي تكاد تكون روتينا يوميا للبعض، بينما توجد مقاومة لفكرة ارتداءها ضمن بيئات مختلفة، على الرغم من الإجراءات التي اتُخذت لإلزام الناس على اعتمادها ومخالفة من لا يتقيد بها، إلا أن ذلك يعود بالأساس إلى طبيعة الحياة المجتمعية للشعوب، التي يركز أهلها على لغة الوجه في حياتهم العملية، وقد سمعنا الكثير عن اللذين تضررت أعمالهم جراء التزامهم بوضع الكمامة كون الناس لم يعودوا يتعرفوا على تعابير وجوههم، وتحديدا المهن التي تعتمد على اللقاءات المباشرة بالدرجة الأولى.
وعلى الرغم من التحذيرات حول السلالات الجديدة وسرعة انتشارها، إلا أن الرفض لا زال سيد الموقف فيما يخص الالتزام بالكمامة، إذ بات من يشعر بوجود بعض الأعراض أو حتى من يعاني من أمراض معينة، تزيد فرصة إصابته، يتجنبون ارتداءها “خجلاً” كونها باتت شبهة وتهمة تلحق بصاحبها أينما ذهب، وكأنه ارتكب جرماً أو عيباً لتفكيره بالآخرين لحمايتهم حماية نفسه، وهذا كما قلنا له مرجعية مجتمعية ونفسية، حيث رافقت الكمامة منذ البداية نظرة خاطئة بربطها بالمرضى وحدهم دون غيرهم.
الثقافة الوقائية يجب أن تترسخ في المجتمع قبل أن يتم فرض أي إجراءات أخرى، والتي قد تنجح في أماكن معينة وتفشل في غيرها، وهذا ينطلق بداية من ضوابط شخصية واجتماعية، لتتحول السلوكيات الصحية الفردية إلى مجتمعية وتصبح روتينا يوميا بعد أن أثبتت فعالياتها بالحد من انتشار الأمراض في ظل عدم القدرة على فرض حظر شامل وتقييد حركة السكان..

 

رغد خضور