ثقافة وفن

“صالون زهرة”.. الواقع المزيّف بالسينوغرافيا

انتهى عرض المسلسل الدرامي “صالون زهرة” –نادين جابر-جو بو عيد” بزواج زهرة “نادين نسيب نجيم” وأنس “معتصم النهار”، وهو من نوع الرومانس-كوميدي.

الزواج تم بعد العلاقة العاطفية التي جمعتهما في ظروف متناقضة الطرح، متعددة المناخات، يعلو إيقاعها ويهبط بتواتر مختلف مع تطورات هذه العلاقة، وانتقالها من طور إلى طور، المسلسل يحكي قصة هذه العلاقة العاطفية، ضمن سياقات درامية متعددة، نطل من خلالها على شخصية زهرة ما ظهر منها وما بطن؛ امرأة جميلة تحيا في حي شعبي، وتعمل في صالون تجميل، مع عدة نساء أخريات، لكل منهن حكايتها الجانبية، التي تعرض ما يتعرضن له من قسوة في عالمهن، يفد أنس الشاب الوسيم إلى الحي، مجاوراً إياها في المكان، تنشأ بينهما علاقة عاطفية، تمرّ بعدة محطات تمهيدية بسيطة، قبل أن تصل لخواتيمها المأمولة، من تلك الذرا الكاشفة والمؤسسة لما سيليها من أحداث متأثرة فيها، من أن صاحبة صالون التجميل اللبنانية، اعترفت للشاب السوري بسرها الذي أخفته عن أقرب الناس إليها حتى أختها، فلقد أخبرته في لقاء نهاري-خارجي- جمعهما على صخور شاطئ بيروت، عن ابنتها التي حملت بها بعد أن تعرضت للاغتصاب ورفضت إجهاضها، ما اضطرها لتربيتها بعيداً عنها، بعد أن فضلت أن تعاني هي، على أن تتقاسم المعاناة مع ابنتها حين تتربى في مجتمع يسميها “ابنة حرام” يتفاعل الشاب مع قصتها المؤثرة، ويعترف لها بحبه، تبادله بدورها مشاعر الحب، وتبدأ علاقتهما تأخذ منحى تصاعدياً مختلفاً.

“صالون زهرة” تنتمي عوالمه وشخوصه لعالم “القاع”، الذي تمور فيه علاقات مشوهة على مختلف الصعد: عاطفياً، اقتصادياً، اجتماعياً، أخلاقياً، هناك بائعة الهوى، العاشق النصاب، البنت التي تحمل دون زواج، الرجل الذي يضرب زوجته ويعاملها بسوء شديد، والأهم: المرأة اللعوب ذات المحنة الكبيرة -امرأة في ريعان الشباب، مغتصبة ولديها بنت بلا أب-واللص الشهم والوسيم الذي ستقع بغرامه.

الثيمة الأخيرة تناولتها حتى الإرهاق الدراما العربية، فهي من صميم التراث الأدبي العربي، كما ورد غير مرة في “ألف ليلة وليلة” على سبيل المثال لا الحصر، لكنها في العمل مركبة على حبكة كوميدية “مستعارة” من المسلسل الشهير “حمام الهنا”–نهاد قلعي-فيصل الياسري/1968؛ اللص المطارد من قبل عصابة يدين لها بالمال، يسعى خلف كرسي بداخله مال مخبأ، وهذا الكرسي موجود في صالون زهرة، يستأجر الشاب محلاً ملاصقاً للصالون، ويقوم بجعله ورشة لتنجيد الكراسي، منتظراً الفرصة المناسبة لسرقة الكرسي، وتبدأ العلاقة بين البطلين الرئيسين بالتصاعد، وفق مجموعة من الأحداث الكوميدية الخفيفة، مترافقة ومجموعة من الحبكات الجانبية الداعمة، التي تعرض للسوء المتنوع المصادر، الذي تعاني المرأة منه في مجتمع القاع عموماً.

المسلسل جاء على مستوى البطولة، مفارقاً للحالة التي سادت الدراما السورية-اللبنانية، خلال العقد الأخير، فبطولة العمل هذه المرة لممثلة لبنانية يرافقها ممثل سوري، وأحداثه تدور في بيئتها ومكانها بظروفه وشخوصه، ما أعطى للعمل “تاتش” من الأصالة، وذلك في التوطين المكاني للقصة، ويمكن هنا الحديث عن كون فكرة صالون التجميل وصاحبته الجميلة مع النساء اللواتي يعملن معها، وما يتعرضن له من ظلم وقسوة، مستعارة أيضاً من فيلم “نادين لبكي” –سكر بنات-2007، الذي يحكي قصة امرأة تعمل في محل تجميل في بيروت، مع ثلاث نساء. كل واحدة لديها مشكلة في حياتها الشخصية، وهذا هو الإطار العام أو الحامل الرئيسي لمسلسل “صالون زهرة”.

اللافت في العمل هو التطور الكبير الحاصل في أداء الممثل “معتصم النهار” فرغم أن الشخصية التي يؤديها، تستثمر في شكله الوسيم، إلا أنه لا يتكئ على هذا فقط في تشخصيه “أنس”، فلقد ظهر أداؤه محترفاً، متوازناً، منصرفاً عن التكلف نحو الاقتصاد في التعبير، أو ما يعرف بـ: المجاز التعبيري الدرامي.

يُحكى الكثير عن أداء الممثلة نادين نسيب نجيم، إلا أن أهم ما يظهر منه، هو أنها تقدم شخصيتها فعلاً، إنها تؤدي نفسها، وحكاية العمل مفصلة لها وعنها.

البذخ الإنتاجي، ظاهر بوفرة في مكونات العمل، إلا أن محاولة السينوغرافيا، تحسين الشرط البصري، لعالم القاع هذا، إن كان بالألوان المشرقة والإضاءة الساطعة، الديكور المشغول بما يتناسب مع قصة رومانسية بحتة، الأزياء الزاهية، الشارة الموسيقية، المناظر الطبيعية، الكادر النظيف والمعقم، لا بسبب الكورونا، بل مجازياً، خلقت تناقضاً صارخاً بين طبيعة الحكاية وطبيعة شخوصها، بين الشكل المضمون، فالشكل جاء هنا مُزيفاً للمضمون لا عنواناً رئيسياً له.

أُخذ على العمل انفصاله عن الواقع، إلا أن واقع الشخصيات، هو واقع أيضاً، ويحق للدراما رصد تلك العلاقات في محيطها الاجتماعي و”الزمكاني”، وهي تطرح مشاكلها وهمومها، أفراحها الصغيرة وأحزانها الكثيرة، مع إشارات تدل على زمن العمل، وهذا ما فات العمل، فالأزياء، والألوان، توحي بأجواء السبعينات، وربط السياق العام، بعبارات مقحمة تشير إلى زمن الأحداث، لم يحقق هذه المعادلة، التي لا تخفى على الجمهور، وكانت من أول ملاحظاته على وسائل السوشيال ميديا.

البعث ميديا|| تمّام علي بركات