سلايدمجتمع

الوحدة.. كارثة تهدّد صحّة الفرد أم طريقة للتعمّق بالذّات؟!

كلّنا معرّضون للشعور بالوحدة في مرحلة ما من حياتنا، وهي تعتبر من المشكلات النفسية التي يعاني منها الكثيرون، وتبرز خطورة هذه الظاهرة أكثر عندما يشعر الفرد بالوحدة رغم وجود الأهل والأصدقاء من حوله..

بين الوحدة والانعزال

اعتبرت الأستاذة الدكتورة منى كشيك رئيس قسم اصول التربية في كليه التربية بجامعة دمشق، وفق ما أوضحت لـ“البعث ميديا”، أن الوحدة استجابة شعورية أليمة للعزلة المحسوسة، ووصفتها بأنها آلية نفسية تحفّز الأفراد للسعي خلف التواصل الاجتماعي، وغالباً ما تقترن بافتقار التواصل والحميمية في الواقع الحقيقي، ورغم تداخل الوحدة مع الانعزال لكنها مستقلة عنه، ولا يشعر كل من يختبر الانعزال بالوحدة باعتبارها شعوراً ذاتياً.

أسباب اجتماعية ونفسية

ينتشر شعور الوحدة بين كافة أطياف المجتمع، بمن في ذلك الأشخاص المتزوجون، إلى جانب المنخرطين في علاقات متينة وأصحاب الحيوات المهنية الناجحة، وأرجعت “كشيك” أسباب هذا الشعور لعوامل اجتماعية ونفسية وشعورية وبيئية عديدة، فيمكن أن تشعر بالوحدة لعدم وجود علاقات الصداقة أثناء الطفولة، أو الغياب الجسدي لأشخاص ذوي معنى لدى الشخص، وقد يكون ناتجاً عن مشكلة اجتماعية أو نفسية أخرى مثل “الاكتئاب المزمن”، أو عند تركهم وحدهم “الرضيع مثلا” عند بداية فصله عن أمه بصورة مؤقتة، تمهيداً لفطامه، ومن الشائع أن يكون نتيجة الانفصال أو الطلاق أو خسارة أي علاقة مهمة وطويلة المدى، كما قد يأتي شعور الوحدة بعد ولادة طفل أو بعد الزواج، أو بعد أي حدث اجتماعي مثل الانتقال من مسقط الرأس إلى مكان آخر، ويمكن أن ينجم عن حالات الزواج غير المستقرة أو العلاقات الحميمية الأخرى التي تعاني من مشكلات في التواصل والاستمرارية وتكثر فيها مشاعر الغضب أو الشعور بالاستياء، وقد تنتج الوحدة من خلل في التواصل، ويمكن أن ينتج من عدم وجود أناس ينسجم معهم أو يشاركهم اهتماماتهم أو يتفاعل معهم وعدم الثقة للحديث معهم، ناهيك عن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يراها الشخص أفضل من عالمه الحقيقي، ووفقاً للاختصاصية، فقد ذكرت دراسة بأن الوحدة سببها وراثي لجهة الإحساس بالألم عند الشعور بالوحدة، مبينة أن للبيئة دوراً في الشعور بالوحدة، فبالرغم من وجود حب الأهل، إلا أن هناك عوامل مؤثرة مثل العيش في مكان مختلف مع الأهل، ولما يمتلك الشخص من ثقافة ولغة أو عوامل فكرية مرتبطة بطريقة التفكير بالنفس وكيف يشعر تجاه نفسه وتجاه العالم من حوله، وقد يكون لبعض سلوكيات الأهل دور في الأمر، فعدم تفهمهم أن الحب لا يعني بالضرورة تفهم الأبناء لجميع الأمور، إضافة لقضاء الوقت الطويل بعيداً عنهم..

معاً لكننا وحيدون

تولد الوحدة شعوراً بالقلق واستحضاراً لذكريات قديمة ربما تكون مؤلمة، لذا ترى خوف الأهل وحرصهم الدائم على تجنيب أبنائهم خوض غمار هذه التجربة التي تعتبر مريرة وقاسية على حد تعبيرهم، معتبرين الزواج السبيل الوحيد للسعادة والتخلص من هذا الشعور، لتعارضه نتائج بحث طويل بأن الزواج ليس سبب السعادة، بل التواصل الصحي مع الآخرين، الذي يأتي بالاختيار الصحيح الناتج عن مدى معرفة الشخص لنفسه، وهذا ما أكدته دراسة عنوانها “معاً لكننا وحيدون” بأن 62.5% من الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية الذين يعانون من الوحدة هم متزوجون، منوهة بأن أعراض الوحدة خطيرة لدى هؤلاء الأشخاص لأنها إن أهُملت، سببت اكتئاباً وقلقاً ومشاكل في الضغط وصعوبة في التنفس.

إنماء علاقات

تسمح الوحدة، وفق ما بينت دراسة علمية، بتطهير الدماغ والجسد في آن واحد من كل مصادر الإلهاء والضغوط والأحداث حتى الإيجابية منها، وتزيد من التركيز والقدرة على الإنتاج، وتمنح الفرصة للتعرف على الذات في حال البعد عن أحكام الآخرين وآرائهم وتوقعاتهم، وتوفر الوقت للتفكير، كما تساعد الوحدة على حلّ المشاكل بفعالية، فمن الصعب التركيز على الحلول التي تناسب في ظل آراء ونصائح تأتي من كل حدب وصوب فتشوّش الأفكار، إضافة إلى أنها تحسّن من نوعية العلاقات بالآخرين، ولعلها النقطة الأهم! كلما تم أخذ الوقت لفهم المخاوف والرغبات والطباع أصبحت الاختيارات أكثر صحّة ونضوجاً وبالتالي أكثر سعادة.

ورغم هذه الآثار الإيجابية التي أكدتها “كشيك”، ودور الوحدة في إنماء العلاقات، إلا أنها أشارت إلى سلبياتها، فالوحدة المزمنة ذات آثار مؤذية إذ إنها عامل خطر وجسيم يسفر عن نتائج سلبية في الصحة النفسية والجسدية، فرغم أن الوحدة من الموضوعات الأدبية منذ زمن بعيد يرجع إلى ملحمة جلجامش، ومع ذلك كانت الدراسات الأكاديمية حول الوحدة شحيحة حتى أواخر القرن العشرين، أما في القرن الحادي والعشرين تزايد الاعتراف بالوحدة على أنها مشكلة اجتماعية، إذ أصبحت المنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة في المجتمع تسعى لتناولها.

تريّثوا

نصح الباحثون والمعالجون النفسيون الذين شبهوا أعراض الوحدة بأعراض التدخين، الذي يقصّر العمر على المدى الطويل، أن يتريّثوا بعدم اللجوء إلى علاقات مدمّرة من أجل الهروب من الوحدة لأنها ستلاحقهم أينما ذهبوا، وكحل لتلك المشكلة نصحت الاختصاصية “كشيك” بالمشاركة بالأنشطة والمناسبات الاجتماعية، والتعرف على أصدقاء جدد والابتعاد عن الأصدقاء السلبيين والتعرف إلى الأصدقاء الإيجابيين، القيام بعمل خير، زيارة الأماكن والمعارض الفنية، وفعل أشياء مفيدة مثل “حملات توعوية، حملات تشجير”، ممارسة الرياضة، استخدام وسائل التواصل باعتدال، وتخصيص الوقت للعائلة والأصدقاء أكثر، والعمل على إيجاد السعادة بأنفسنا.

 

البعث ميديا|| ليندا تلي