ثقافة وفن

عبد اللطيف عبد الحميد.. سلامة قلبك

 

المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد، في العناية المشددة، بعد تعرضه لنوبة قلبية حادة، هذا ما نشرته نقابة الفنانين-فرع دمشق، على صفحتها الزرقاء، متمنية الشفاء للمخرج السينمائي، الذي ترك بصمة مؤثرة في تاريخ السينما السورية، سواء اتفقنا أو اختلفنا على العديد من الأفكار التي وردت في أفلامه.

كثر هم المخرجون السينمائيون السوريون الذين تخرجوا في جامعات الاتحاد السوفييتي سابقاً، ومن تسنى له من الجمهور السوري وتابع بعض الأفلام التي تم إنتاجها في الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، سيلاحظ مدى التقاطع الكبير في الأدوات الفنية والتقنية، لا بل والتأثر الواضح بالعقلية السينمائية لكبار المخرجين الروس من مثال  ألكسندر دوفجينكو وسيرغي غراسيموف، والمبدع الكبير أندريه تاركوفسكي صاحب فيلم القربان؛ المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد-1954- واحد من المخرجين السوريين الذين تخرجوا في المعهد العالي للسينما في موسكو 1981، ويعتبر بحق من أهم صناع السينما السورية، إن كان بمفهومه لجوهر السينما بوعيه الريفي المنفتح على سهول وجبال وأودية أو  بطبيعة أفلامه التي عكست جانباً حياتياً مهماً من جوانب المجتمع السوري، لم يكن معروفاً، أو لم يكن مفهوماً بالنسبة إلى الكثيرين من السوريين، بسبب النظرة السلطوية التي كانت تنظر إلى هذا المجتمع.

هنا أقصد نقله إلى جوانب عديدة، لم تكن معروفة من حياة ريف الساحل السوري في أفلامه الشهيرة (ليالي ابن آوى، ورسائل شفهية، وقمران وزيتونة)، بتلقائية وعفوية لا اصطناع فيها، رغم كونها صنعة، تلك الأفلام حُكي عنها الكثير وتناولها النقد بإسهاب كبير، ولكنني أريد أن أسلط الضوء على مدى عبقرية هذا الرجل ومدى ما تحمله روحه من هم إنساني ووجع فكري، كان محركه الفعال في صياغة ما يعتمل في دواخله من هواجس وأسئلة وجودية حيال المنطقة التي جاء منها في الساحل السوري، والتي تجلت بالنسبة إلي في المشهد الأخير من رائعته “ليالي أبن آوى”، عندما يبقى بطل الفيلم-أسعد فضة – وحيداً بعد أن تموت زوجته ويترك ابنه الكبير البيت ويستشهد ابنه الآخر، ليبقى هذا الرجل وحيداً، إلا من صافرة حققت له حلمه الكئيب؛ بأن يصفر لتهدأ حيوانات البرية “بنات آوى” عن العواء، تلك المهمة التي كانت تقوم بها زوجته، التي أدت دورها بحرفية عالية، الممثلة الراحلة (نجاح العبدلله)، إلا أن هذا الحلم لم يكن إلا كابوس ذلك الرجل الريفي المتسلط والبسيط؛ كابوسه الأسوأ. فالصفير يهدّئ من نباح بنات آوى، ولكنه يبقيه وحيداً، وحيداً حتى الموت، تلك الصافرة كانت بطلة الفيلم الخفية، وهذا ما قصدته بالتفاصيل البسيطة التي تغني حياتنا دون أن ننتبه، لكن صاحب “نسيم الروح ” يدرك كما قلت بحسه العالي بالأشياء، أن الجوهر يكمن في البساطة، الميزة التي وسمت جميع أفلامه وأعطتها نكهة مختلفة وفريدة، أظن أننا نحتاج إلى وقت أطول لندرك مذاقها الجوهري بمفرده دون مهيجات الحواس الأخرى.

السلامة والشفاء العاجل لفناننا المبدع.. كاميراه وجمهور أفلامه ومحبوه، ينتظرونه..

 

تمّام علي بركات