ثقافة وفن

«قيد مجهول».. صراع الأرواح

في الآونة الأخيرة، ومع انتشار المنصات الرقمية، باتت الأعمال الدرامية المنتجة خصيصاً لهذه المنصات متاحة للعرض في أي وقت أمام الجميع، بعد أن اعتدنا رؤيتها سابقاً على شاشات التلفزيون والفضائيات ومن ثم يتم عرضها على المنصات الرقمية، وهذا ما تجسد عبر العمل الدرامي “قيد مجهول” الذي أنتج للعرض على منصات رقمية معينة، ليكون ثاني عمل سوري يعرض على منصة رقمية بعد مسلسل “شارع شيكاغو”.

أثبتت “قيد مجهول”، التجربة الإخراجية الدرامية الأولى لـ”السدير مسعود”، اختلافاً جذرياً عما توجهت إليه بعض الأعمال الدرامية السورية مؤخراً، والتي كان جلّ اهتمامها بالمظاهر وإبراز البطل، متناسية التفاصيل الدقيقة التي تجذب انتباه المشاهد وتعطي الانطباع الإيجابي عن فحوى القصة التي يرويها “السيناريو”، إذ ركزت ريشة “مسعود” على إظهار تفاصيل البيت الرث لـ “سمير” بكل حرفية ودقة حتى بتنا نتلمس الفقر المدقع الذي يعيشه مع عائلته، والذي كان هو بطل المسلسل الحقيقي.

بحبكة متقنة وموسيقا متناغمة وبحرفية عالية، وعبر نخبة من محترفي التمثيل كـ”عبد المنعم عمايري ونظلي الرواس وباسل خياط وهيا مرعشلي وغيرهم”، حقق مسعود نجاحاً كبيراً في الإخراج من خلال “قيد مجهول” ذي الحلقات الثمانية التي كتبها لواء يازجي ومحمد أو اللبن، والذي يحسب له قصر العمل وخروجه عن روتين الحلقات الثلاثين وحصرها بزخم الأعمال الرمضانية، ربما ليتمكن المسلسل من أخذ حقّه بالعرض والمتابعة، وتجلّى النجاح واضحاً عبر الإشادات ومقتطفات الصور والمشاهد التي تناقلتها منصات التواصل.

المثير أثناء متابعتك الأحداث أنك تحسب نفسك تعيشها مع كادر العمل وبكل تفاصيلها، من خلال سلسلة من الجرائم بدأت بجريمة قتل مجهولة الأسباب والتفاصيل، تبثّ الشكوك والفضول لمتابعة الأحداث الغامضة التي بدأ بها المخرج، تتسارع الأحداث وتأخذ منحى تصاعدياً لتكشف تحقيقات ضابط الأمن الجنائي بأن “سمير” سائق التكسي البسيط “المعتّر” الذي استبعده المحققون لبساطته وركاكته وشكله الهزيل بأنه المتهم الوحيد بقتل معلم ورشة الخياطة التي يعمل بها ليقتات خبز يومه، لتتكشف على إثرها خيوط جريمة قتل رجل أعمال كبير كانت أرّقت النقيب خلدون منذ بداية العمل مكرّساً وقته لكشف ملابساتها الغامضة، لتعاود الاتهامات وتنصبّ على سمير، لينقشع الظلام ويكون سمير القاتل المجهول الذي عالج حالته سيناريو العمل.

تكشف التحقيقات بأن سمير يعاني “الفصام” أو “اضطرابات الهوية التفارقي”، بمعنى أنه يعيش عوالم وشخصيات متخيلة ومختلفة أي هلوسات سمعية وبصرية، سمير يكون الشخصية السلبية الاتكالية المكتئبة، بينما “يزن” الشخصية المتخيلة المكملة القوية الجبارة المنتصرة لكرامة سمير المهزوز، أو كما يقال “لابسو جنّي”.

اللافت بالسيناريو عرض الكاتب لعالمي الفقراء والأثرياء، وذلك أثناء مرافقة سمير لتمام إلى منزل رجل الأعمال الثري مثنى وكسره “للصمدية” دون قصد فيقدم اعتذاره لمثنى الذي أبى إلا أن يهينه ويوبخه أمام شركائه من الطبقة المخملية، ناعتاً إياه بأنه سيبقى “دون” وبأن مثنى وأمثاله سيبقون “الأسياد”.

أثار مشهد جلوس “سمير” الذي أداه الفنان عبد المنعم عمايري على كرسي الحمام جدلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، مستهجنين الجرأة الزائدة في الطرح، وعلى إثر الهجوم العنيف والنقد اللاذع الذي شنّه رواد العالم الافتراضي على عمايري قال الأخير في تصريح له: “لست أنا من ظهر بمشهد الحمام بل هي شخصية سمير، فأنا في المسلسل لست عبد المنعم عمايري بل سمير”.

بعد انتهاء العمل كشف عمايري بأنه راجع طبيباً نفسياً بعد أدائه شخصية سمير قائلاً: بأن بعض مشاهد تلك الشخصية أتعبته جداَ وكان بحاجة لراحة نفسية طويلة.

 

البعث ميديا||ليندا تلي