ثقافة وفن

“مع وقف التنفيذ”.. استعادة للواجهة وخروج عن النمطيّ

رغم “الكآبة” التي تسيطر على جوانب من المشهد الدراميّ السوريّ هذا العام، إنْ من خلال النّص، أو الإخراج، وحتّى من خلال الصّورة والألوان وشارات البداية، كآبة فرضها إيقاع الحرب التي تناولتها النصوص، إلاّ أنّ هذه الأعمال، في الوقت ذاته، ومع أهميّة الطّروحات الّتي تقدّمها، وقدرتها على تصوير الواقع والتّعبير عن مقولاتها، تمنح الأمل مجدّداً بعودة الدراما السوريّة إلى واجهة المشهد، أعمال سوريّة بامتياز، وإن كانت قليلة، إلا أنّها تؤكّد أنّ مرحلة جديدة مبشّرة تنتظر الدراما المحليّة..

ويندرج “مع وقف التنفيذ” ضمن الأعمال الجيدة هذا العام، العمل من إخراج سيف السبيعي، وتأليف علي وجيه ويامن الحجلي، ومن بطولة نخبة من الممثلين، على رأسهم، عباس النوري، غسان مسعود، سلاف فواخرجي.

تحرص الثنائيّة، علي وجيه ويامن الحجلي، على أن تكسب الرهان مجدّداً، مع كل نص درامي تقدمه، فالتجربة نضجت وتؤتي ثمارها، حيث اعتمد نصهما الدرامي الجديد على تناول شخصيات المجتمع ما بعد هدوء الحرب، ومدى قدرتها على التكيف مع الضغوطات والأوضاع الصعبة التي خلفتها الأزمة، والبدء من جديد في “حي العطارين” الذي يشكّل مسرح الأحداث والصراع، ليرصد الكاتبان التحولات التي طرأت على الشخصيات ما قبل الخروج منه، وما بعد العودة إليه، بين الماضي والحاضر، وما تواجهه من تحديات تتداخل فيها خيوط الأمس باليوم، مع القدرة على الولوج إلى العوالم النفسيّة لهذه الشخصيات وتعرية حقيقتها وهواجسها والدوافع التي جعلتها على ما هي عليه، كيف كانت وكيف أصبحت، كل ذلك ضمن إطار درامي يعتريه تخبّط المفاهيم والمبادئ، وضياع البوصلة، مع التّطرق الجريء لبعض حالات الفساد التي يعاني منها المجتمع..

تعمّد العمل أن يركّز على الشخصيات السلبيّة، ولعلّ هذا التعمّد كان مبرراً ضمن واقع مأزوم فرضه النص، في محاولة لتقديم نماذج اجتماعية موجودة وتعريتها وصولاً إلى صورتها الحقيقية، وقد تمكّن الفنانون من مقاربتها إلى حدّ بعيد، بدءاً بشخصية “جنان” التي استطاعت سلاف فواخرحي أن تقدم نفسها عبرها بأسلوب جديد ومختلف، أعادت فيه اكتشاف أدواتها وقدراتها، من خلال تأدية دور المرأة الوصولية التي يعتريها الطمع للمال والسلطة وهي على استعداد لتقديم المستحيل وصولاً إلى مبتغاها،  أما “عزام” فهي الشخصية التي أدى عبرها يامن الحجلي دور المصاب نفسياً الذي يسعى للانتقام لعائلته التي قتلت أمام عينيه، كما تمكن عباس النوري من تقديم شخصيته بأسلوب ابتكر فيه أدواته الخاصة مركزاً على الشكل والأداء، ليؤدي دور “فوزان” المتسلق الجشع للمال، حتى شخصية “حليم” التي أداها بقدرة وتميّز الفنان غسان مسعود، لم تخل من سلبية ببعض جوانبها، فرغم أنها تجسّد الصحفي الكاتب المتوازن والهادئ، إلا أنه فشل في الحفاظ على عائلته..

ومن خلال مشاهدها المعدودة، تمكّنت الفنانة صباح الجزائري التي أدّت شخصية “أم هاشم”، أن تترك بصمتها الخاصة لدى المشاهد، ومن خلال إحساسها العالي وأدائها الصادق استطاعت أن تعبر عن أهم مقولات العمل، في أحد مشاهدها، فيما يتعلق بمنع هجرة الشباب ووجوب تمسكهم بأرضهم..

يحاول سيف السبيعي الخروج عن الأسلوب النمطي والعادي في الإخراج، وكان له ذلك في هذا العمل، إن كان في اختيار النص، أو عبر الصورة، أو أسلوب التقديم لحلقاته (قبل وبعد)، أو من خلال المقولات لأهم المفكرين التي يقدمها مع بداية كل حلقة، وحتى من خلال شارة البداية والنهاية التي لم تقدم فيها صور الفنانين المشاركين في العمل كما المعتاد، إنّما تمّ التوجه إلى تقديم صورة إنسانية معبرة ترمز إلى حد بعيد إلى معاناة من واقع لا بدّ أن يتغير، كما يحسب للمخرج أيضاً قدرته على أن يخلق التوازن بين مشاهد الماضي والحاضر، مع ضبط إيقاع الأحداث، دون أن يشتت المتلقي..

ليس هناك من عمل كامل، لا بد من هفوات أو سقطات درامية، إن كان من خلال النص أو الإخراج، لكنّها لا تقلل من أهمية العمل وطروحاته، فأمام الضعف الذي مرت به الدراما، لابد وحتى تستعيد قدرتها وقوتها بالكامل من التركيز على الإيجابي فيها وهو كثير، وصولاً إلى المرحلة التي تصل بها إلى المستوى المنشود، وأمام ما يُقدم، هذا ليس ببعيد..

 

هديل فيزو