ثقافة وفن

على أبواب الذكرى..الأمثولة ناجي العلي

“كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي .. أنا أعرف خطا أحمر واحداً، أنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام لإسرائيل”.

لم يقامر ابن النكبة ولم يهادن، فهو الإنسان العربي فقط، وهذا ما قاله: اسمه حنظلة، واسم أبيه ليس ضرورياً، وأمه النكبة، ونمرة رجله غير معروفة لأنه دائماً حافي القدمين، وقد وُلِدَ في 5 حزيران 1967.
أسئلة كثيرة جداً عن لغة الدم السائدة ، وعن الذين يحاولون دائماً تحطيم العقول وتسطيحها.. ربما هي أسئلة في زمن اللامنطق، زمن قوى الظلام، قوى المنطق الأحادي.
وربما حالتهم المزرية جعلتهم يرتعبون من كل نور منبثق، وهذا ما يناقض حالتهم. وبالتأكيد من يستجر بالحقيقة ويتمتع بسلطة وقوة منبثقة من إرادة الجماهير فلا بدّ من تصفيته.
لم يدخل ناجي العلي في لعبة الخيوط السياسية، لأنه عرف مسبقاً أنها تجر أصحابها إلى اللانهاية. فلم يعرف التكتيك أبداً، بل عرف إخلاصه لطبقته والعطاء الثوري الذي لا ينضب والذي حفر لنفسه بذلك مكاناً كبيراً في ذهن الناس. ولم يهمه أن يحمل رسومه من يسعون إلى الضحك، ومن تهتز كروشهم صخباً. كان همّه الإنسان العادي، الأميّ والمثقف، وأن تصل الفكرة بكل أبعادها وصدقها مجاناً، تأخذ شكلاً تحريضياً حيناً، وشكلاً ثورياً حيناً آخر، ولكن في هذا الواقع لا بدّ من استخدام الكاريكاتير في كل الحالات والأشكال.
لقد كانت تجربته قاسية ومريرة لكنها معطاءة، هذه هي تجربة المخيمات التي عاشها. لقد جعلته الحرب أكثر إنسانية وإيماناً بالقضية. ورغم كل ما يدعو إلى اليأس كانت حواسه تصبح أكثر وضوحاً عندما يشير إلى نافذة مفتوحة في الأفق يبدو منها خيط من النور ويرى أولئك الذين لا يكفون عن الضجيج بأن الظلمة لا تشمل كل شيء، وأن التسوّل ليس لغة استرجاع الحق.
غاب عنا ناجي العلي، لكن ريشته لم تسقط. وبقي حنظلة المقهور يصرخ ويصرخ واقفاً عاقداً يديه خلف ظهره، شاهداً، منتظراً، مواجهاً الهزيمة.. حنظلة الذي قال عنه: ” هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت أنني أستمر به بعد موتي .”.ولم يكتف بذلك، فقد وصف شخصية حنظلة بأنها “كانت بمثابة أيقونة روحي من السقوط كلما شعرت بشيء من التكاسل . انه كالبوصلة بالنسبة لي وهذه البوصلة تشير دائماً إلى فلسطين “.
سيرة:
ولد الشهيد ناجي سليم حسين العلي عام 1937 في قرية الشجرة قرب طبريا في فلسطين، منتمياً لأسرة فقيرة.
نزح مع القافلة الأولى عام 1948، وبدأ طفولته في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان.
ـ عمل ناجي العلي في البساتين بسبب ظروفه التي منعته من متابعة دراسته الابتدائية، ومن ثم في الورش الصناعية بعد حصوله على الدبلوم في الميكانيك من طرابلس.
ـ في عام 1957 سافر إلى السعودية، وعاد عام 1959 إلى لبنان ليدخل أكاديمية الفنون التي تركها بسبب الملاحقات التي طالته.
ـ عمل في الكويت بداية الستينيات في صحف (القبس) و(الطليعة) و(السياسة). وطُرد من الكويت تحت ضغط البعض الفلسطيني، فانتقل للعمل في (القبس الدولي) بلندن.
ـ بتاريخ 22 تموز من عام 1987 وفي شارع إيفز بمدينة الضباب أصابته طلقات الغدر، ومكث في المشفى أكثر من شهر حيث استشهد يوم 29 آب 1987.
بكت قريته الشجرة وبكى مخيم عين الحلوة وبكى كل الأوفياء لأن وصيته لم تنفذ بدفنه في تراب وطنه بل في جنوب لندن.
نَشَرَ أول عمل له في مجلة (الحرية) الشهيد غسان كنفاني، وكانت اللوحة تمثل خيمة على شكل هرم، وفي قمتها بركان ارتفعت منه يدٌ مصممة على النصر والتحرير.
ـ أقام العديد من المعارض في سورية ولبنان والكويت والأردن وواشنطن ولندن.
ـ أصدر ثلاثة كتب جمعت بعض رسومه، أعوام 1976، 1983، 1985.

رائد خليل