دوليسياسة

هل التذرّع بمخاوف أوروبية حول محطة زابوريجيا مبرر أم مبالغات مسيسة؟

د. ساعود جمال ساعود

محطة زابوروجييه للطاقة النووية هي محطة نووية تقع في إنيرهودار، أوكرانيا، تعتبر أكبر محطة نووية في أوروبا، تنتج المحطة ما يقرب من نصف كهرباء أوكرانيا المستمدة من الطاقة النووية، وهي واحدة من أربع محطات نووية هامة في أوكرانيا، امتازت بفوائدها للاستخدامات المدنية بالنسبة للأوكران، فكان من مقتضيات التخطيط الروسي المسبق والسليم للعملية الخاصّة أن يتم تجفيف منابع القوة لدى أوكرانيا.

وبالفعل سيطرت القوات الروسية على المحطة في أوائل شهر آذار 2022م بعد أيام من بداية العملية الروسية في أوكرانيا عام 2022م، واقتربت المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية من المحطة القريبة من بلدة إنرهودار، واشتعلت النيران في أحد مباني المحطة، ممّا أثار المخاوف والقلق في جميع أنحاء أوروبا من المفرزات التي يمكن أن تنجم استهداف المحطة.

ولقد ترجمت هذه المخاوف بفعل الدعوات التي أطلقتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، ففي يوم 7 أب/ أغسطس/ 2022م، دعت الوكالة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح حول محطة زابوريجيا النووية العملاقة التي تحتلها روسيا في أوكرانيا، وقالت الوكالة في تقريرها الأخير: “في حين أن القصف المستمر لم يتسبب بعد في حدوث حالة طوارئ نووية، إلا أنه لا يزال يمثّل تهديداً مستمراً للسلامة والأمن النوويين بسبب تأثير محتمل على إجراءات الأمان الحيوية التي قد تؤدّي إلى عواقب إشعاعية ذات خطورة كبيرة.

ولعل المخاوف ذاتها هي ما حذت بالرئيسين الفرنسي والأوكراني لإجراء اتصال هاتفي في تاريخ  10/9/2022م، إذ وجاء في بيان قصر الإليزيه أن الزعيمين ناقشا الوضع في محطة زابوروجي للطاقة النووية وأعربا عن دعمهما لعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ولدى تقصي الأسباب للوقوف على جدية المخاوف الأوربية، ومنطقيتها من استهداف المحطة فالثابت أن روسيا لم تتخذها درعاً عسكرية تنطلق منها أعمالها مقابل الاحتماء لما يمكن أن ينجم عنها، لا بل توضح أن أغلب الحوادث  كان الأوكراني ورائها، مستغلين ذلك كورقة ضغط سياسية ضد روسيا لأدانتها أمام المجتمع الدولي التي سرعان ما كانت توجه أصابع الإتهام لهم، والأدلة كثيرة، وبالمقابل اتهمت روسيا قوات كييف بإطلاق النار على المجمع، كما تم قطع مصادر الطاقة الخارجية عن المحطة عدة مرات، والتي تعد ضرورية لعملها بصورة آمنة، والمراد افتعال أزمة واتهام روسيا بها كجرم دولي، ولعل هذا المراد من الخطط الأوربية ليس فقط الأوكرانية لأن المعروف في القانون الدولي أن استهداف محطات الطاقة النووية محظور بموجب اتفاقية جنيف، فوفقا للبروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949، فإن الهجمات على السدود والخنادق ومحطات الطاقة النووية محظورة، إذا كانت الخسائر الناجمة عن تدفق المواد المشعة “جسيمة” الأثر على المدنيين.

ورغم ما سلف تتابع الدول الأوربية تذرعها بالمخاوف حول المحطة  والإثباتات كثيرة منها ما قالته  وعمدت للترويج له وزارة الدفاع البريطانية إن روسيا تستخدم المنطقة لشن هجمات، مستغلة وضع محطة الطاقة النووية لتقليل مخاطر الهجمات الليلية من القوات الأوكرانية.

ومن الإثباتات أيضاً ما يروج له الاتحاد الأوروبي إذا قال كبير الدبلوماسيين بالاتحاد، جوزيب بوريل، إنه “يدين الأنشطة العسكرية الروسية” حول المحطة، متناسياً الاستفزازات المتعمدة من قبل أوكرانيا وأن روسيا تحكم سيطرتها وحمايتها للمحطة وليس من مصلحتها الأمنية والعسكرية حدوث أي خطأ أو عمل عسكري لأن سينعكس سلباً عليها.

وبسياق الحديث، يجدر التنويه على أهمية وخطورة المحطة بالنسبة لأوروبا وسبب تخوفها، ففيما يخص أهميتها، فإن زابوروجييه، ذات قيمة استراتيجية عظيمة، فهي أكبر محطة مائية لتوليد الطاقة الكهربائية في أوروبا،  ومن حيث المحتويات تحتوي محطة زابوريجيا النووية على ستة مفاعلات تعمل بالماء المضغوط، والعديد من مخازن النفايات النووية المشعة.

وبالنسبة لخطورتها، فإنّه إذا إصابة المفاعلات بصاروخ، فإن التسرب الإشعاعي اللاحق سيكون له عواقب على أوروبا، وشبه جزيرة القرم، وبالطبع كامل أوكرانيا.

وعلى العموم فقد تأزم الوضع وزادت المزاعم الأوربية من احتمال وقوع كارثة نووية في حال استهدافها أو التمرس العسكري بها أو الاحتماء بها، كما يتذرعون بمخاوفهم من استخدامها لأغراض عسكرية، وليس لأغراض مدنية.

ولعل المحاذير أو المخاوف المفتعله والمبالغ بها التي يُراد بها إحراج روسيا وجر دعم دولي لصالح أوركانيا وحراك فعلي بعيداً عن شعارات كاذبه، فقد طلبت أوكرانيا من المجتمع الدولي “إغلاق الأجواء” فوق محطة زابوريجيا، وتوفير دفاعات جوية قادرة على منع أي ضربات مباشرة للمنشأة، لكن يبدو أنه من غير المرجح أن يفرض حظر جوي فوق المنشأة، لأنّ الدول الداعمة لأوكرانيا تخشى أن تفسر روسيا خطوة كتلك على أنها مشاركة مباشرة في الصراع.

ويبقى أن نشير أنّ خسارة  المحطّة بالنسبة للأوكرانيا حرمتها الكثير من الفوائد التي لا تقدر بثمن، فقد زادت الحاجة الأوكرانية للطاقة النووية، التي أصبحت ذات أهمية متزايدة لإمدادات الطاقة في أوكرانيا وفي عام 2014م سيطرت الجماعات الانفصالية، وقبل ذلك، كان الفحم يوفر 41 بالمئة من طاقة البلاد وتطلعت أوكرانيا إلى الطاقة النووية والمتجددة لتعويض النقص.