ثقافة وفن

هل نحن في ردة فكرية؟

 

التدهور الراهن للفكر العربي هو تدهور واضح نلمسه في قلة ما ينشر من الأعمال الأدبية أو القصة القصيرة أو الطويلة أو المسرحية، أو من خلال الهجمة المنظمة على الفكر العربي التي مازالت تحاول تشويه هذا الفكر في منطلقاته النظرية وخاصة الأدبية والعلمية والثقافية.

اليوم هناك من يتهم الأدباء السابقين بالمسؤولية عن ذلك الركود لأنهم توقفوا عن الإنتاج، وهناك من يلقي التبعية على الظروف التي كانت سائدة بعد نكسة حزيران عام 1967، والسؤال هو: هل يمكن إيقاف هذا التدهور من دون معرفة أسبابه القريبة والبعيدة في تراثنا الفكري وتاريخنا الثقافي؟ وكيف يمكن شفاء علّة قبل التعرف على أسبابها؟ إن إغفال الأسباب يجعل العلاج صعباً، ومستحيلاً، لأنه يخرجنا من الإطار الصحيح لتناول هذه المشكلة المؤقتة، بل إن فترات النهضة الأدبية والفكرية التي ظهر فيها (طه حسين، العقاد، علي عبد الرزاق، سلامة موسى وأحمد أمين) وغيرهم، تردّنا إلى أصل المشكلة، فنتساءل:

كيف أتيح لهؤلاء أن يظهروا بهاماتهم العالية وقاماتهم المنتصبة؟ هل كانت مجرد عبقرية فردية دفعت بكل واحد فيهم إلى موقعه الشاق في حياتنا الفكرية والثقافية، أم هناك ظروف أخرى أنضجت هذه العبقريات، وأتاحت لها جميعاً أن تبدع وتتألق؟

إن العقل العربي كان أكثر حرية منذ أكثر من مئة عام، إن غياب مناخ الحرية الفكرية يعد أهم أسباب هذا التدهور الفكري الذي أصاب الإنسان العربي هذا اليوم، ولاسيما ونحن نعيش العولمة والشرق أوسطية، لكن مناخ الحرية لا يكفي وحده لظهور مثل هذه العبقريات التي صنعت تاريخاً وخلقت نهضة، بل لابدّ من وجود مثل هذه العقليات الجسور التي تعطي الحرية الفكرية والحرية الاجتماعية وتوازن بينهما بصدق وأمانة في إطار رؤية مستقبلية واضحة، هذا ما صنعه قديماً (طه حسين، وعلي عبد الرزاق، وسلامة موسى).. إن عظمة هؤلاء تتجلى في أنهم جميعاً ومن زوايا مختلفة قد اتجهوا إلى جذور المشكلة وحاولوا اقتلاعها، فنادى طه حسين بفحص التراث الأدبي في ضوء العقل على أساس من الشك حتى نصل إلى اليقين، وطالب علي عبد الرزاق بالفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية، ودعا سلامة موسى للإيمان بالعلم وبالحضارة والاشتراكية، ومن قبل هؤلاء بعشرات السنين نادى قاسم أمين بتحرير المرأة من الجهل والتبعية وإعطائها حق التعليم والعمل.

فأين نحن اليوم من هؤلاء؟ هل انعدمت العبقريات بيننا؟ لا أظن ذلك طبعاً، فقد برزت الكثير من الأسماء في الوطن العربي، وشهدت الحياة الفكرية والثقافية ازدهاراً عظيماً، فأبدع (توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ويوسف ادريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وألفريد فرج، ورشاد رشدي… وغيرهم) وقدموا أعظم أعمالهم في محاولة لتأصيل فنون القصة والمسرحية في أدبنا العربي الحديث، ولكن، وللأسف، كانت هناك ثمار مرّة لمرحلة الهزيمة والتمزّق، فانقلب الفن إلى تجارة، وساد تيار الرداءة في الأفلام والمسرحيات إرضاء للعقول الفارغة، وراح الفكر الشعبوي يهدد كل قيمنا الحضارية والاجتماعية والدينية.

خلاصة القول: الأجدر بنا نحن العرب أن نعيد دراسة تاريخنا وحضارتنا لنكتشف الأسس الصحيحة التي قامت عليها هذه الحضارة، فهذا أجدر باهتمامنا الآن للحفاظ على الفكر العربي من الضياع.

 

د.رحيم هادي الشمخي