“بدفع ما بدفع” لفرقة الشمس المسرحية، عرض مسرحي أردني، بروح محلية
ضحك وتصفيق، تفاعل طازج وحار بين الجمهور، وما يحدث داخل العلبة الإيطالية، ممثل يتحدث مع الجمهور مرارا، رقص غربي مصحوب بتصفيق “الجدار الرابع”، “خناقة” بين الممثلين، أطفال يضحكون مع أباءهم الذين هم بدورهم يضحكون، أم تركض خلف صغيرها في الكواليس المزدحمة بعد العرض، جمهور من مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، مع حضور لافت للعائلة؛ لمدة ساعة ونصف تقريبا، هذا هو المشهد الذي ساد عروض المسرحية الأردنية “بدفع ما بدفع”، التي قُدمت على خشبة مسرح “الحمرا” في دمشق، بالتعاون بين وزارة الثقافة، ومسرح “الشمس” في الأردن، وهذا ليس مشهدا معتادا في مسرح الحمرا وعروضه أو معظم عروضه “الجادة” أو المتجهمة، كما يصفها جزء كبير من الجمهور.
العرض الكوميدي الساخر، الذي جاء بتوقيع المخرج المسرحي الأردني عبد السلام قبيلات، بعد أن قام بإعداده عن مسرحية “لا نستطيع الدفع، لن ندفع” للإيطالي “داريو فو” -1926-2016، اعتمد أولا على أداء الممثل، فهو من يشكل الفرق هنا، خصوصا وأن المسرحية التي تعتبر من أشهر أعمال فو، قدمت مرات عديدة للجمهور المحلي، كان آخرها منذ عامين، على مسرح الحمرا أيضا، “سوبرماركت” –أيمن زيدان-وقد نجح قبيلات برهانه المضاعف على الممثل هنا، من جهة الأداء الجيد، والمحافظة على سويته، فطول زمن العرض-ساعة ونصف، وهذا وقت طويل مسرحيا، والحركة شبه المستمرة للممثلين على الخشبة، الاعتماد أيضا على الارتجال، كواحدة من تقنيات “كسر الإيهام” المفرطة، كل هذا وضع الممثلين تحت اختبار “جهد عالي مسرحي” جعلهم يقدمون شخصياتهم بطاقة عالية، لم تنخفض وتيرتها ولم تبرد همتها، الأمر الذي انعكس تفاعلا طازجا ومباشرا مع الجمهور، ما شجع الممثلين على رفع جرعة الارتجال، مع الارتفاع التدريجي لحرارة العرض.
الممثلون الخمسة، قدموا أداء جيدا ومنسجما، وبذلوا جهدا حركيا كبيرا، مع الاشتغال اللحظي على مؤامته مع الأداء الصوتي، وهذا يحتاج لممثل رشيق، حاضر البديهة، متمكن من أدواته التعبيرية، ما أشعل فتيل التنافس المخفي بين الممثلين، في إظهار مقدرتهم التمثيلية، دون “أوفرة” أو “ميوعة” بل بانضباط بتعليمات المخرج، وما يفرضه الشكل الذي اختاره لتقديم العرض، الدافع التي ظهر أثره جليا بين الجمهور، المتجاوب بعفوية مع الحدث والأداء.
وقد برعت الفنانة حياة جابر في تقديمها شخصيتها، بعد أن نفخت فيها روحا أردنية خالصة، غطت على “التغريب” الذي ساهم في تعزيزه اسم الشخصية الأساسية “أنطوانيت”.
الحكاية المسرحية التي كتبها فو عام 1974، تنقل الأحداث المتسارعة التي جرت، بعد أن قررت مجموعة من السيدات، الاحتجاج على ارتفاع الأسعار داخل مول تجاري، وذلك نتيجة التضخم الغير مسبوق، وليقررن بعد ذلك الشراء دون دفع المبالغ المطلوبة منهن، أو دفع شيء يسير من ثمنها، بمعنى آخر قررن سرقة بعض البضائع، التي يحاولن إخفائها تحت ثيابهن عن الأزواج، بحجة إنهن حوامل، وما ينتج عن هذا من مفارقات كوميدية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة، استعراض للبؤس والفقر والفاقة، ولهاوية الواقع المرير، الذي تتأرجح حياة الناس على حوافها الحادة.
حافظ معظم من اشتغلوا نص داريو فو مسرحيا، على أسماء الشخصيات كما وردت عند مؤلفها، كما أن صياغة التوليفة نفسها للعمل، جاءت في نسخ متشابهة عموما، والنسخة الأردنية من العرض، لم تخرج عن هذا، رغم العمل على توطين النص ما أمكن، ليناسب الجمهور، سواء في الأردن أو في سورية، ويمكن القول أن الحفاظ على أسماء الشخصيات والمدن، كما وردت في النص الأصلي، سببه تحاشي الرقابة، وإن يكن منطق العرض وشكل تقديمه، لا يجعل من توطينه قضية ملحة، كما أن المشكلة التي يقدمها، مشكلة مشتركة بين مختلف الشعوب، وتداعياتها متشابهة أيضا، وإن يكن الاختلاف هو في البيئة التي يقترحها المخرج عموما.
اعتمد الدكتور عبد السلام قبيلات في تقديمه “بدفع ما بدفع” تقنية المشاهد أو “السكيتشات”، الأمر الذي خفف من عبء طول العرض، وساعد على إظهار أداء كل ممثل على حدا، كما أن هذا الشكل الذي ساهمت السينوغرافيا عموما في صنعه، أضفى شيئا من المرح على العرض برمزيته العالية، ومباشرته المقبولة.
“بدفع ما بدفع” العرض المسرحي الأردني، الذي كسر عزلة المسرح المحلي، جاء خفيفا، راقيا، فيه جرعات عالية من الدلالة والإيحاء التي يفضلها جمهور المسرح، كما أنه قدم عرضا ممتعا للجمهور عموما، ولجمهور “الضحك” بشكل خاص، والذي خرج راضيا بكل تأكيد، من عرض مسرحي، على خشبة مسرح الحمرا.
تمّام بركات