الرئيس الأسد إلى بكين.. تدشين مرحلة جديدة
بسام هاشم
تستند العلاقات السورية الصينية إلى تاريخ موغل في القدم، فالبلدان كانا في بداية ونهاية طريق الحرير الشهير، طوال قرون طويلة، وهما يقلبان اليوم تاريخاً حديثاً من العلاقات الدبلوماسية والحزبية التي تمتد على قرابة السبعين عاماً، لتأتي الحرب الإمبريالية الأطلسية على سورية وتضفي على هذه العلاقة أبعاداً استراتيجية استخدمت بكين من خلالها الفيتو في مجلس الأمن دفاعاً عن الدولة الصديقة التي تتعرّض لهجمة إرهابية مدعومة وممولة غربياً، ويشارك فيها إرهابيون “إيغور” تم استحضارهم لخوض الحرب كتمرين أولي، أو “بروفة” استباقية، قبل الانتقال إلى الصين نفسها، كما تدعم الصين جهود سورية في مكافحة الإرهاب، ويطالب المسؤولون الصينيون بإنهاء الاحتلال العسكري الأمريكي للأراضي السورية، والتوقّف عن نهب مواردها، مشدّدين على أن استمرار الاحتلال الأمريكي أدّى – ويؤدي – إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سورية.
إلا أن العلاقة بين البلدين تتجاوز المصالح الاقتصادية لتشمل الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، فالبلدان ملتزمان بالدعم المتبادل في المحافل الدولية، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي طرف، ويتفقان على إقامة العالم متعدّد الأقطاب. وفيما يندرج التواصل بين قيادتي البلدين كمحطة رئيسية في المشهد الإقليمي والعالمي المتغير في المرحلة الراهنة، حيث تشكل زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين تطوراً مهماً يسلّط الضوء على الديناميكيات المتقلبة للسياسة والاقتصاد في المنطقة، وتبشر ببداية “مرحلة جديدة”، تتطلع سورية إلى الصين من خلالها باعتبارها صديقاً وحليفاً يمكن الاعتماد عليه في ظلّ ما تعانيه من صعوبات اقتصادية، وسط تحولات غير منضبطة في التحالفات الدولية والشراكات التجارية، خاصةً وأن هناك من يعمل على تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة اقتصادية “مغلقة” للاستحواذ عليها. وفيما لا تخفي الصين اهتمامها المتزايد بشرق أوسط كان لفترة طويلة “محمية جيوسياسية للولايات المتحدة”، وتعي تماماً أن “نور السلام لا ينتشر إلا عندما يتقلّص ظلّ الولايات المتحدة”، حسب تعبير المتحدث باسم خارجيتها، إلا أنها تدرك أن حلفاءها اليوم هم الحلفاء الرئيسيون لسورية.. أكثر من ذلك، ورغم أن الصين أظهرت قدرتها على التوفيق بين الديناميكيات المتناقضة، وبرهنت على قدرتها لوضع نفسها كوسيط رئيسي في المنطقة، دون الإساءة إلى علاقتها مع أية دولة أخرى، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن دعوة الرئيس الأسد تأتي بعد أيام قليلة من تقديم الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروعه للممر الاقتصادي الذي سيربط الهند بأوروبا عبر دول الخليج و”إسرائيل”، وأن استضافة سيادته ستكون خطوة كبيرة بالنسبة لبكين في هذا الاتجاه.
.. في سورية لم يكن أحد ليتوقع استمرار الحرب كل هذه السنين الطويلة، ولم تكن أقوى مخيلة بقادرة على التفكير بأن الغرب يملك كل هذا التصميم للمضي بمؤامرة تدمير الدولة السورية إلى ما لانهاية. لكن، مع إدراك حقيقة أن المعركة تغير وجوهها وأدواتها، وأن الحصار والعقوبات والضغوط الاقتصادية والأمنية قد تصبح بديلاً روتينياً للحرب بالوكالة، أو حرباً ثانية لا تقل ضراوة ووحشية، كان لابد من تطوير التفكير الاستراتيجي، بعد تحرير أغلب المناطق السورية، وتثبيت وقائع أمنية جديدة، بحيث يتم إطلاق الورشات الاقتصادية، والبدء بعملية إعادة الإعمار بالايقاعات الممكنة، وبالاعتماد على القدرات والموارد الذاتية، وعلى الأصدقاء الكثيرين في العالم، الذين كانوا وجدوا أنفسهم، ووجدت سورية نفسها، تدافع عنهم، انطلاقاً من حقيقة أن الاستراتيجية الأمريكية تخطط لجعل سورية خزاناً للإرهاب العابر بين الأمم، وأيضاً من حقيقة مضادة مفادها أن سورية تحولت، في أتون المواجهة الشاملة مع الإرهاب، إلى المنصة الرئيسية لبناء النظام العالمي الجديد، وتحطيم الأحادية القطبية الأمريكية، قبل أن تتسارع التطورات مؤخراً لتدفع بالاعتبارات اللوجستية إلى الواجهة، مرة أخرى، في مشهد أشبه بتصادم المشاريع، وفي تعبير مستجد عن صراعات مصالح إقليمية ودولية، قد تضع البلدين، مرة أخرى، في “الخندق” المشترك.
لقد وقفت الصين إلى جانب سورية خلال الحرب دفاعاً عن سيادتها الوطنية، ولم تبخل بتقديم المساعدة خلال فترة الزلزال ووباء كورونا. وبالمقابل، ستبقى سورية متفائلة بالصداقة والشراكة التي تجمعها مع بكين، وهي تثق كل الثقة بأن زيارة الرئيس الأسد ستدشّن مرحلة جديدة، إقليمياً ودولياً، وقد حان الوقت للانتقال بالتعاون الثنائي إلى آفاق جديدة، والمسارعة لوضع الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين موضع التنفيذ العملي بعد أن حالت ظروف الحرب دون تنفيذها.