مساحة حرة

المهمة الملغومة والطريق الوعرة؟؟

لم يكن المبعوث الأممي “ستيفان ديمستورا” أوفر حظاً من سابقيه في فك الشيفرة الملغومة في طريق حل الأزمة السورية الوعرة، لعلة في طبيعة وآفاق المهمة ذاتها، على الرغم من تغيير قواعد اللعبة الدولية تكتيكياً أكثر من مرة، وطرح أفكار قديمة مجددة ومحاولات متكررة لإنضاج الطبخة السياسية على النغمة الأمريكية المتأرجحة بين الاعتراف بالهزيمة وقساوتها من جهة واستمرار حرب الاستنزاف اللئيمة على الدولة السورية والجيش العربي السوري الذي يزداد صموداً وقدرة على الإمساك بزمام الحرب من جهة أخرى، وما الطرح الأمريكي الجديد حول آلية الحل السياسي في سورية وفق نموذج الطائف اللبناني إلا محاولة يائسة من الإدارة الأمريكية لتفريغ الانجازات العظيمة التي يُحققها الجيش العربي السوري وحلفائه يومياً على كافة الجبهات المفتوحة والنجاح الواضح في مواجهة التنظيمات الإرهابية وإلحاق الهزيمة بهم في كافة المناطق التي يتواجدون فيها ، والسؤال هنا لماذا لا يثق الشعب السوري بالمبعوثين الأمميين؟ هل لأنهم يوفدون وفي جعبتهم مخطط محدد وهدف ثابت لا يتمكنون من الخروج عنه ولو قيد أنملة وهو ضد الدولة السورية ومصالحها الوطنية؟ أم لأن خبرات هؤلاء المبعوثين في التعامل مع قضايا دولية معقدة ومتشعبة كالأزمة السورية غير كافية لطرح حل موضوعي؟

حتى لا نجافي الحقيقة ونغوص في غياهب العواطف مبتعدين عن التحليل الموضوعي للواقع، علينا الاعتراف بأن جميع المبعوثين الدوليين لديهم من الخبرات والكفاءات الدبلوماسية والسياسية المشهود لهم بها، ولكن أغلبهم بما فيهم المبعوث الحالي “ديمستورا” جاؤوا ومعهم خرائط محددة وقراءة سابقة لواقع الأزمة السورية من وجهة نظر غربية بحتة، وهي بالتالي تعبر عن مبررات السلوك الغربي في الأزمة السورية التي تستند إلى دوافع معينة لخدمة المشروع الصهيو – أمريكي الجديد للمنطقة، والهادف لحماية أمن واستمرار الكيان الصهيوني على حساب الدول العربية وخاصة الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، وتعزيز قوة الكيان الصهيوني العسكرية والاقتصادية لكي تتمكن من الهيمنة على المنطقة وتأمين المصالح الأمريكية والغربية في كل ما تتطلبه.

لذلك نرى بأن المبعوثين الدوليين على اختلاف مشاربهم يتكلمون بلغة الساسة الغربيين ويتحدثون عن الأزمة السورية من منظار الإدارة الأمريكية وحلفائها، وإلا ما هو مبرر تجاهل السيد “ديمستورا” للقرارين الدوليين 2170 و2178 المتعلقين بمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره عندما تحدث عن الأزمة السورية أمام البرلمان الأوروبي قبل أيام، ولم يُشر بأية طريقة إلى الدعم العسكري واللوجستي والاسخباراتي المباشر التي تقدمه حكومة الكيان الصهيوني لتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي في جنوب سورية، وهو تنظيم موضوع على لائحة التنظيمات الإرهابية وقد تم ذكره في القرارات الدولية ؟ وما هو سبب عدم إشارته إلى تركيا ودورها الواضح في دعم التنظيمات الإرهابية وإلى اختراقها العلني والمفضوح للقرارات الدولية وخاصة القرار الدلي 2178 وقيامها بتسهيل حركة إرهابيي “داعش” عبر الأراضي التركية؟ في حين أشارت المستشارة الألمانية ” انجيلا ميركل ” صراحة ً إلى دور حكومة أردوغان بذلك، ولكن بدون أي اجراء ملموس من قبل الاتحاد الأروبي على الأرض .

هذه الأسئلة وغيرها هي مصدر عدم ثقة الشعب السوري بالنوايا المبيتة التي يحملها المبعوثون الدوليون، إضافة إلى تجاهل جميع الموفدين السابقين لأهمية المصالحات الوطنية الواسعة التي يُحققها السوريون في العديد من المناطق الساخنة وتتحول معها تلك المناطق بفضل جهود الأوفياء والمخلصين إلى حاضنة وداعمة للجيش العربي السوري في حربه المتواصلة على الإرهاب، وهي بذات الوقت مؤشر على تمكن الحالة الوطنية لدى كافة أطياف الشعب السوري على مختلف ألوانهم وتنوعها وتغلبها على الانتماءات المحلية والدينية الضيقة، وهذا ما يجب العمل عليه من قبل الموفدين الدوليين عندما تتوفر النوايا الصادقة، بينما في الواقع هم يتجاهلون كل هذه الوقائع لأنها تتعارض مع المخطط المسبق الذي يحملونه ويعملون على تنفيذه.

وفي نفس السياق تتلاعب الإدارة الأمريكية على حبال المنطقة من بوابة الأجدر على حماية مصالحها، وهي تميل الكفة نحو الرؤية الإسرائيلية في قبول تنظيم إرهابي أكثر من غيره، حيث يجد “فنسنت ستيوارت” مدير الاستخبارات الأمريكية بالتواطئ مع حكومة تل أبيب: ” بأن جبهة النصرة ضرورية لمواجهة النظام السوري …ويُتابع ..إننا نراقب الدعم الذي تُقدمه جبهة النصرة للعمليات الإرهابية الخارجية ضد المصالح الأمريكية والغربية ..ونحن نتوقع أن يُحاول هذا التنظيم توسيع الأراضي التي يسيطر عليها خلال عام 2015 أبعد من مناطق عملياته في سورية، وتقوية قدراته العملانية في لبنان حيث يقوم بعمليات إرهابية ” وتلك الاستجابة الأمريكية منسجمة مع تطلعات فئة مرتبطة بالمشروع الصهيو- أمريكي من اللبنانيين الذين يسعون لتوريط لبنان وجعله ساحة صراع من جديد.

القيادة السورية فتحت الباب واسعاً أمام المنظمة الدولية وموفديها لتقديم المساعدة الجادة في الوصول إلى حل سياسي ووقف نزيف الدم السوري منذ الأيام الأولى للحرب على سورية دون أية شروط مسبقة، باستثناء عملية المساس بوحدة أرضها وشعبها وجيشها ، وكان السيد الرئيس بشار الأسد قد وضع برنامج حل متكامل في السادس من كانون الثاني عام 2013، مبني على الطموحات الشعبية الواسعة ومنسجم مع القوانين والتشريعات الدولية، ويُحقق العدالة الإنسانية والأخلاقية بعيداً عن أية ضغوط داخلية أو خارجية على الشعب السوري، وأي خطة أو نماذج تتجاهل رغبات ومصالح الشعب السوري الوطنية والقومية لن يُكتب لها النجاح تحت أية ظروف أو تسميات، لأن سورية قوية بشعبها وجيشها وتلاحمهما مع قيادتها الوطنية القادرة على إفشال كافة الخطط والمؤامرات الخبيثة.

 

محمد عبد الكريم مصطفى