مساحة حرة

هو أمرٌ مهين!!

يقول الكاتب الروسي “دوستيوفسكي”: أحياناً لا يُريد الناس سماع الحقيقة، لأنهم لا يُريدون رؤية أحلامهم تتحطم”، وهذا ينطبق على الحكومات الغربية بشكلٍ عام والأمريكية على وجه الخصوص، فهم يعرفون الحقيقة عن ظهر قلب، ويقفزون فوقها ولا يقبلون سماعها، فجميع التنظيمات الإرهابية المنطوية تحت راية الفكر الوهابي التكفيري هي من إنتاج غربي بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وبتمويل خليجي من أموال النفط التي خُصصت لخدمة المشروع الصهيوني الكبير في المنطقة، وداعش التي يتغنون اليوم بمهاجمتها ما هي إلا وليد صهيوني بامتياز.

وعندما يقول وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري”: “إن داعش موجودة بسبب الأسد”، فهو بهذا لا يبتعد كثيراً عن الحقيقة، على اعتبار أن الرئيس بشار الأسد يقود محور المقاومة في وجه الاستعمار الجديد، وهو الذي رفض القبول بقائمة كولن باول الشهيرة عام 2003 بعيد احتلال العراق الذي رفضه وأدانه الرئيس الأسد بقوة، وهو الرئيس العربي الوحيد الذي لم يرضخ يوماً للتهديدات الأمريكية فمن المؤكد بأن تسعى الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة المرتبطين بقوة بالمشروع الصهيوني إلى إنشاء كيان إرهابي شرس لمحاربة سورية واستنزافها من الداخل بعد أن عجزوا عن ترويضها أو كسرها بالترغيب أو الترهيب، وأن يقول وزير خارجية الولايات المتحدة المريكية بموجب رده على سؤال صحفي بادره السائل على الشكل التالي: “المعارضة السورية” ترفض المشاركة بأي حوار أو مفاوضات لا تضمن رحيل الأسد، في حين يرى الرئيس الأسد أن سياسات الغرب الخاطئة هي سبب ما حدث في باريس يوم الجمعة 13 تشرين الثاني الجاري ، كيف تجيب على ما قاله الأسد؟

يجيب الوزير كيري بحماقة وغباء لا تعبر عن حنكة دبلوماسية عالية: ما قاله الأسد استفز الخارجية الأمريكية، وهذا سبب آخر يدعونا للقول بأن الأسد لا يستحق منصبه.. وإن إلقاء اللائمة لما حصل في باريس على الغرب الذي ينقذ شعبه وبلده ويساعد اللاجئين هو أمرٌ مهين!!

فعلاً عاشت باريس ليلة داعشية مريرة، لم يكن يحسب لها الرئيس هولاند كل هذا الحساب، مع العلم بأن الحكومة الفرنسية ساهمت بشكل ما بدعم داعش وتعزيز منافذ الترويج لها بين الشباب الفرنسي وعبر الجوامع المنتشرة بكثرة في فرنسا، وكان لدى الحكومة الفرنسية تصور دقيق عن عدد الإرهابيين المنتسبين لصفوف داعش في كل من سورية والعراق، لكنها تجاهلت مستقبل هؤلاء ومدى ارتباطاتهم وعلاقاتهم في الداخل الفرنسي وما تُشكله هذه العلاقات كبنية متينة لخلايا نائمة يُمكن تحريكها وقت تشاء قيادة التنظيم .

على الرغم من أن الرئيس الروسي فلادمير بوتين كان قد بيّن بالدليل القاطع ووفق الصور حجم التبادل التجاري النفطي بين داعش وتركيا التي تستقبل انبوب مستمر من صهاريج النفط (على مسافة 4،5 كم) عن طريق سماسرة وتجار على رأسهم ابن الرئيس التركي أردوغان ومن ثم يتم إرسال النفط السوري والعراقي المسروق بناقلات خاصة إلى إسرائيل لكي يتم إعطائها شهادات إنتاج ومن ثم تصديرها إلى أوروبا وغيرها، وكان قد سبق ونبه الرئيس بوتين قبل وصوله إلى قمة العشرين التي عُقدت بعد يومين فقط من أحداث باريس المؤلمة: على أن سورية دولة ذات سيادة، والرئيس الأسد منتخب من قبل الشعب، وأنه ينبغي على السوريين وحدهم تحديد مستقبلهم.. وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة وروسيا متفقتان حول نقطة ضرورة هزيمة داعش واجتثاثها من المنطقة، لكنهما مختلفتان وبقوة على التكتيك وهذا مؤشر هام على عدم جديدة الولايات المتحدة في محاربة داعش والقضاء عليها بشكل كامل.

لقد أكدت سورية في أكثر من مكان بأن الأولوية لإنهاء الأزمة السورية وإيجاد حل سياسي يتوافق عليه الأغلبية الواسعة من السوريين يكمن في القضاء على الإرهاب الذي يفتقد للبيئة الحاضنة الحقيقية في سورية، وعلى المجتمع الدولي ان يُلزم الدول الداعمة للإرهاب بوقف هذا الدعم حتى يتمكن الجيش العربي السوري من أداء مهمته بأقصى سرعة والقضاء على التنظيمات الإرهابية بكل ألوانها وأسمائها، لأن استمرار الإرهاب بالإنتشار والتوسع أصبح معضلة حقيقية تُهدد الأمن والسلم العالميين وتشكل حائلا أمام التطور الاقتصادي وتقف في وجه التنمية المستدامة التي تسعى إليها جميع البلدان .

الإنجازات الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري على كافة الجبهات بالتعاون مع الحلفاء هي بمثابة مؤشر ودليل على مستقبل التنظيمات الإرهابية الأسود سواء ما أطلقوا عليها “المعتدلة أو  المتشددة”، وإن أي إرهابي جاء إلى سورية “للجهاد” أمامه احتمالين فقط هما: إما أن يعود أدراجه منهزماً إلى حيث جاء أو أنه سيُسحق تحت جحافل القوات السورية الباسلة، وأي كلام آخر عن تفاوض أو تسويات فهي لن تكون مع الإرهابيين، وأما السوريون الذين أخطأوا بحق أنفسهم أولاً وتجاه وطنهم ثانياً، فإن باب التوبة مفتوح إلى حين وبعد ذلك الوقت لن يكون هناك تهاون أو مساومة مع أي إرهابي استمر في إجرامه.

 

محمد عبد الكريم مصطفى