مساحة حرة

في الطريق إلى الأستانة

بعد الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في معركة تحرير حلب، ودحر التنظيمات الإرهابية التي ظهرت وهي تجر خلفها خيبة الأمل بأدنى احتمال لديمومتها واستمرارها، كان لا بدَّ من جطوات عملية سريعة من قبل المحور المنتصر وهو محور الدولة السورية وحلفائها لترجمة هذا الانتصار الكبير سياسياً على الأرض من خلال وضع خارطة طريق حقيقية لحل سياسي شامل للأزمة السورية، سيما وأن محور أعداء سورية تقوقع خلف الهزيمة التي غيرت مجريات اللعب على الأرض، وجعلت من الدول التي استثمرت الإرهاب ودعمته بكل الوسائل المتاحة لمدة سنوات الحرب الستة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و وحلفاؤها في أوروبا والمنطقة، دولاً خارجة عن القانون ومتمردة على الشرعية الدولية من خلال إنشاء تنظيمات إرهابية ورعايتها ودعمها رغم تصنيفها على لائحة التنظيمات الإرهابية من مجلس الأمن الدولي كتنظيم ” داعش ” المولود على يد الإدارة الأمريكية وفق اعترافاتها هي، وتنظيم ” جبهة النصرة ” فرع القاعدة في سورية الذي تم إنشاؤه ودعمه من قبل تركيا والسعودية  .

اليوم وبعد كل هذه التحولات على الأرض، أخذت كل دولة من الدول الراعية للإرهاب في سورية بالسير في مسعى منفرد من أجل لملمة خيباتها وهزائمها بما يحفظ ماء الوجه أمام شعوبها التي بدأت تكشف المخططات القذرة التي تبنتها أنظمتها الاستعمارية والتكفيرية البغيضة ، وما بنته من قصص وحكايا كاذبة ومخادعة لتضليل الرأي العام للوقوف إلى جانبها في سياساتها العدوانية ضد الدولة السورية والشعب السوري .

في الطريق إلى الأستانا هناك العديد من الأسئلة التي تدور في الشارع السوري، من اهمها : من هي الجهات التي ستُمثل المعارضة السورية في هذه الاجتماعات ؟ وما هو دورها وأثرها على التنظيمات الإرهابية العاملة على الأرض ؟ وما هي النتائج المتوقعة من هذا اللقاء ؟ وما هي الضمانات الملزمة في حال حصول توافق معين ؟

هناك تأكيدات من قبل المتابعين لتنظيم مؤتمر الأستانا بأن اكثر من 90 تنظيم مسلح أعلنت مشاركتها بمن يُمثلها إيذاناً بالسير في طريق الحل السياسي الذي سيتم التفاوض عليه، ولاقى هذا دعماً من بعض الأطراف التي تدعي تمثيلها للمعارضة السورية كـ ” الهيئة العليا للمفاوضات “، وعلى اعتبار أنه من أهم أهداف اجتماع الأستانا هو ايجاد تجمع معارض فاعل يمتلك التاثير على التنظيمات المسلحة من جهة، ويستطيع خوض المعركة التفاوضية بعيداً عن ضغوط الدول الداعمة ومصالحها المتناقضة مع المصلحة السورية من جهة اخرى، وهنا وجد اللاعب التركي فرصة ذهبية للخروج من مستنقع الحرب على سورية التي غاص فيها حتى العنق، والتخلص من تهمة دعم الإرهاب الذي أخذ يُضرم النار في الجسد التركي ذاته، ويُقدم في الوقت ذاته ورقة حسن سلوك للروسي الذي قبل اعتذاره، بل أنقذه من أكبر مكيدة تم حبكها بعناية لاسقاط السلطان الجديد بالضربة القاضية .

وما أن تصرف أردوغان بعنجهيته المعهودة وقام بدعوة الولايات المتحدة الأمريكية لحضور مؤتمر الأستانا، حتى جاءه الرد الروسي السريع مع تأنيب شديد اللهجة، بأن أية دعوة يجب أن يكون متفق عليها من الدول الثلاثة المنظمة للمؤتمر وهي روسيا وإيران وتركيا معاً، ولم يتم دعوة أمريكا لحين كتابة هذه المادة، وهي ضربة في العمق للجانب التركي الذي تعود المراوغة والتكيف مع المستجدات .

إن مسارعة نظام بني سعود الوهابي للتشويش على مؤتمر الأستانا جاءت عبر الدعوة المشبوهة إلى أربع عشرة دولة ( تمثل المحور المعادي لسورية ) إلى عقد مؤتمر في الرياض تحت غطاء محاربة ” داعش ” أو ” كيف نفعل الحرب على داعش ” في خطوة خبيثة لإعادة تدوير المهام في استثمار ما بقي من التنظيمات الإرهابية بما فيها داعش والنصرة بشكل يُطيل أمد الحرب على سورية بعد الضربة الموجعة التي تلقاها الإرهاب ومشغليه في حلب .

من المؤكد بأن اجتماع الأستانا لا يتمكن بمكوناته ومفرداته من أن يُنهي الحرب على سورية بشكل كامل من خلال ما سيصدر عنه من توافقات فيما لو حصلت، لكنه خطوة هامة في وضع عربة الحل السياسي على طريقها الصحيح، ورسم أجندة موضوعية تتضمن الأساس الذي يُبنى عليه الحل، كما يتم تحديد العناصر الأساسية والخطوط العريضة التي ستساهم في إنهاء الأزمة برعاية إقليمية ودولية مشتركة كضامن فعلي للنتائج، بما يحفظ لسورية وجيشها الباسل حقه الطبيعي في محاربة الارهاب والقضاء عليه بالطريق الموازي لسكة الحل السياسي، بشكل منفصل تماماً عن المفاوضات السياسية وبما لا يتناقض معها، لأنه من غير المجدي السير بأي حل سياسي مع استمرار وجود التنظيمات الإرهابية سواء  تنظيمات ” داعش أو النصرة ” او غيرها من التنظيمات الأخرى التي لا تلتزم بموجبات الحل السياسي ..

محمد عبد الكريم مصطفى

One thought on “في الطريق إلى الأستانة

  • صدقت حبيبنا ابو المجد … تحليل واقعي تماماً

Comments are closed.