ثقافة وفن

“فراغ” درامي!

في ظل غياب شبه تام للأعمال الدرامية الجديدة، تشهد الشاشات السورية إغراقاً مستفزاً بالمسلسلات القديمة المعروضة من قبل، حتى إن بعضها أُعيد عرضه أكثر من مرة، ولعشرات المرات، وسط تجاهل لتقديم جديد يخرج عن الرتابة والتكرار، ويحمل في جدّته وجودته ما يفرض إيقاعه على المتلقي ويأسره ويحفّزه على المتابعة والترقب.

المستغرب في الأمر أن تجتمع المسلسلات الجديدة كاملة في شهر رمضان فقط، وكأن الموسم الدرامي اقتصر على شهر واحد، ولا حاجة للمشاهد أن يرى الجديد إلا خلاله، حتى إن لم يتم عرض هذه الأعمال في هذا الشهر، فإنها تؤجل للعام المقبل، وللشهر نفسه، في حسبة غير مفهومة وخطة مضطربة، محركها الوحيد هو العامل المادي.

منحى مختلف

مؤخراً، وضمن منحى مختلف، عُرض على إحدى القنوات “برومو” لمسلسل عربي جديد بمشاركة نخبة كبيرة من الفنانين السوريين، ولعلّ العمل الجديد يمثل النموذج الجيد على الخروج من السباق الدرامي الرمضاني، فهو سيعرض خلال هذا الشهر، وبعيداً عن الحديث في مضمونه ومحتواه، إلا أن هذا العمل حجز لنفسه مكانته من الانتظار والترقب لدى المتابعين قبل عرضه، ومرد ذلك يعود إلى حسن اختيار التوقيت، إضافة لجودة الترويج والتقديم المحفّز على المتابعة، والأهم من ذلك هو تعطش المتلقي العربي لمشاهدة جديد يمثله في ظل سيطرة الدراما الأجنبية على الشاشات العربية بعد أن استنفدت الدراما العربية كل إمكانياتها وقدراتها خلال شهر واحد.

خلق مواسم درامية جديدة

لعلّ خلق مواسم درامية جديدة، يستطيع أن يهيئ البيئة المناسبة لمنح الأعمال الفنية الحيوية اللازمة والتجدد المستمر والضروري للخروج من الرتابة التي أوقعت الدراما  نفسها في فخها، إضافة لأهمية امتداد المساحة الزمنية للعرض على مدار السنة، ما يعطي هذه الأعمال حقها من المتابعة والتفاعل، من جانب آخر، يعد ذلك فرصة حقيقية لشركات الإنتاج تفسح المجال واسعاً للإنتاج على مدار العام، أما المشاهد فهو المعني الأول بهذا الأمر، حيث ستتاح له حرية المشاهدة دون أن يصاب بالتشتت من هذا الكم الكبير من الأعمال التي لا يستطيع مشاهدتها خلال شهر واحد.

دور شركات الإنتاج

مما لا شك فيه، أن العامل المادي يلعب الدور الأبرز هنا كون شركات الإنتاج يعنيها الربح المادي بالمقام الأول، ومع الاعتراف أن أعلى نسب المشاهدة تكون في شهر رمضان، لكن الأعمال الناجحة تستطيع فرض نفسها على المشاهد في أي وقت، وستحقق أرباحها دون التقيد بشهر محدد، وعلى القنوات التلفزيونية هنا أن تنتهج خطة تستطيع من خلالها خلق التوازن بين الكسب المادي الذي يعود بالفائدة على شركات الإنتاج وبين خلق عوامل جذب الجمهور للمشاهدة طيلة العام من خلال عرض ما يهمه ويعبر عنه ويقدم له المتعة والفائدة على السواء، وهذا ليس بالأمر الصعب، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة التسويق والترويج للأعمال، الأمر الذي على الشركات أن تعتبره عاملاً أساسياً في نجاح أي عمل وارتفاع نسب مشاهدته، فعدم الاهتمام بتسويقه قد يتسبب بفشله، على الرغم من أهميته وجودته.

قناة تأثير هامة

استطاعت الدراما السورية في الوقت الحاضر أن تفرض نفسها بقوة في حياتنا، شئنا ذلك أم أبينا، كما أنها باتت قناة تأثير غاية في الأهمية، لاسيما أنها تعبر عن مشكلات المجتمع وهموم الناس وتحاول أن تتعامل معها وتعالجها قدر المستطاع، في ظل الرسائل والقضايا الضمنية والمباشرة التي تحملها للمتلقي والتي تعتبر بمثابة المحرك لوعيه والموجه غير المرئي لتصرفاته، كما أنها مبنية على جهود كبيرة يجب تقديرها، من هنا تأتي أهمية تحمل مسؤولية تطورها ومحاولة الارتقاء بها قدر الإمكان، ولعل من أولويات ذلك، البدء بالانتقال إلى خطة عرض درامية مختلفة وجديدة كفيلة بإعطاء هذه الأعمال حقها من الاهتمام والمتابعة، بالتوازي مع إعطاء المتلقي حقه بإبعاده عن “تخمة” الشهر الواحد.

 

هديل فيزو