مساحة حرة

الحرب على سورية..والخارطة الجيوسياسية الجديدة؟

 دخلت الحرب الكونية الظالمة على سورية عامها الرابع دون أن تتمكن قوى الغرب الاستعماري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق الأهداف الإستراتيجية من تلك الحرب وأهمها تدمير الدولة السورية كقوة إقليمية محورية فاعلة وإنهاء دورها المؤثر ، على العكس من ذلك تماماً فقد تمكنت سورية بمكوناتها الرسمية والشعبية من تغيير قواعد اللعبة و الصمود بطريقة أسطورية في مواجهة أبشع أنواع الحروب في العصر الحديث ، وأثبتت مقدرة ذاتية في كافة المستويات الحياتية عكست حالة الوعي الوطني العالي المميز ، واستطاعت  بتعاونها المدروس مع حلفائها مواجهة العدوان بصلابة مما اضطر الدول الكبرى إلى تغيير الخارطة الجيوسياسية المعدة للمنطقة بما يتوافق ونتيجة المعركة التي أتت منسجمة مع الثوابت الوطنية والقومية لسورية وبما يضمن مصالح سورية في الوحدة والاستقلال ، وقد أشار المتابعون في أكثر من موقع بأن هذا التغيير سيطال توازن القوى الدولية على الساحة العالمية لمصلحة الشعوب الفقيرة وبما ينسجم مع سيادة القانون الدولي ويتفق ومواثيق الأمم المتحدة التي كانت معطلة بالمطلق في زمن قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم في ظل غياب القوى المنافسة .

هذا التغيير الذي بدأت صورته تظهر بشكل فعلي مع انطلاق ” الفيتو ” الروسي الصيني المشترك لتعطيل مشروع قرار دولي ضد سورية ، وهي المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة في مواجهة علنية ما بين حلفاء سورية وأعدائها ، مما أسس لمستقبل جديد ومختلف كلياً عما كان سائداً خلال العقدين الأخيرين عندما كان يخضع العالم لمشيئة القطبية الأمريكية الأحادية ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : هل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية من الضعف وفي مرحلة عاجزة فيها عن تنفيذ سياساتها الاستعمارية في العالم بالقوة بعد سلسلة حروب فاشلة انعكست نتائجها سلبياً على الحياة العامة الأمريكية وأضرت بدور الولايات المتحدة على الساحة الدولية ومنها منطقة الشرق الأوسط ؟ وهل ستعترف الإدارة الأمريكية بالتحولات الدولية الجديدة وتلتزم بما يتفق عليه الكبار الجدد لمنع انزلاق العالم إلى حرب عالمية مباشرة تحمل تحت عباءتها كوارث لم يشهدها العالم من قبل ؟

  هذه الأسئلة وغيرها هي مثار حديث الشارع في أغلب الدول التي طالتها يد الغدر الأمريكية مباشرة أو عبر وكلائها المحليين الذين أساؤوا أكثر من الأمريكان أنفسهم ، وهنا يُمكن القول بأنه من المبكر الحديث بأن الإدارة الأمريكية أصبحت في مرحلة الانهيار ، لكن الواقع الجديد يفرض نفسه بقوة للحد إن لم نقل إنهاء واقع استغلال الشعوب الفقيرة وسلبها خيراتها بما كانت تعتمده الولايات المتحدة في سياساتها تحت أي مسمى ، ومن الجهل بمكان إذا ما اعتبرنا بأن أمريكا ستقف مكتوفة الأيدي تجاه كسر يدها ومنعها من الاستمرار في نهب مقدرات الشعوب وخاصة في الشرق الأوسط ، سيما وأنها تمكنت من تسميم الأجواء السياسية على الساحة الدولية ، بحيث  أصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم ، بل هم العنصر الأخطر في حلقة التآمر على أصدقائهم الافتراضيين ، وتحولوا إلى شركاء حقيقيين في الاعتداء على جوارهم الجغرافي وأبناء جلدتهم خدمة للمشروع الأمرو – صهيوني الاستعماري ، و قاموا بمحاولات خسيسة لاستثمار نقاط الضعف لدى حلفائهم السابقين لصالح السيد الأمريكي الذي لفظهم وتخلى عنهم في أصعب اللحظات كما حصل مع الحمدين في قطر “وأردوغان ” العثماني  .

  إن الدور التخريبي الذي قامت به الإدارة الأمريكية في أوكرانيا هو خطوة من مجموعة إجراءات تُحاول من خلالها إشغال الدول الكبرى الصاعدة ” كروسيا والصين ” ومجموعة دول ” البريكس ”  الأخرى بقضايا محلية وإقليمية للتذكير بقدرتها على التدخل في شؤون الأمم وتحريك ما يُسمى ”  بالثورات الشعبية ” لضرب استقرار الدول ومنعها من اعتماد سياسات مستقلة تتضارب والسياسة الأمريكية ، بعد أن أثبتت كل من روسيا والصين جدية في فرملة السياسة الأمريكية الاستعمارية التي كانت تستثمر الأمم المتحدة كجسر عبور لغايات استعمارية خاصة لا تخدم حالة السلم والاستقرار الدولي ، وقد شكل ” الفيتو ” المزدوج الروسي – الصيني في وجه قرار دولي يُبرر الحرب على سورية كانت تسعى إليه الولايات المتحدة وأتباعها ، شكل مؤشراً على هذه الجدية في منع استمرار انتهاك حرمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، لصالح دولة بعينها على حساب دور ومهمات الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية تجاه الأعضاء ، ليأتي ” الفيتو ” الروسي الجديد في مجلس الأمن بخصوص أوكرانيا ضربة موجعة للسياسة الأمريكية لم تتمكن المندوبة الأمريكية من تحمل صداه  حيث ثارت غاضبة تنثر لعابها في الهواء !

    لا يوجد في الوقت الراهن ما يُشير إلى جدية الولايات المتحدة الأمريكية في وقف الحروب والميل للحلول السياسية ، وبالتالي لا بد من حسم المعركة بطريقة أخرى وبوسائل مختلفة ، وعندها ستجد أمريكا نفسها مضطرة لقبول الواقع الجديد رغم ما يحمل لها من متاعب ، وعليها الاعتراف بتغير الخارطة الجيوسياسية للعالم ، وترسيمها من جديد على قياس الشعوب المنتصرة ، التي يتقدمها الشعب السوري الذي صمد بقوة خلف جيشه الوطني الباسل ، وعندها لا يحق لأي كان في العالم الاعتراض على الخارطة الجديدة .

 محمد عبد الكريم مصطفى

البعث ميديا