line1الشريط الاخباريمحليات

مرفأ طرطوس..أسئلة تحتاج لإجابات

مع تجليات الحرب المؤلمة التي عايشناها مع الإرهاب، وكل ما رافقها من تخريب ممنهج ومنظم طال البنى التحتية والمرافق الحيوية. يبدو مرفأ طرطوس كصرح حيوي هام ومنشأة وطنية حساسة ليس ببعيد عن الاستنزاف الذي طال كلّ مكونات الواقع الاقتصادي في هذه الحرب، فالحصار والعقوبات المفروضة تركت بصماتها واضحة عليه بين عام وآخر في السنوات الماضية، إذ انخفض عدد السفن التي أمّت المرفأ من 1355 باخرة عام 2012 إلى 966 باخرة فقط العام الماضي.

أما فيما يتعلق بإيرادات الإنتاجية المحققة في الـ 2013 فرغم ارتفاعها النسبي مقارنة بالعام 2012، تبدو قياساً إلى واقع التضخم الاقتصادي الحاصل خجولة ومتواضعة؛ ما يشي بواقع مؤلم تشهده هذه المنشأة يثير تساؤلات كثيرة قد تتضح إجاباتها عند الإضاءة على إشكالية جدّية يعانيها المرفأ، وهي مشكلة الإصلاح الخارجي للآليات الموجودة فيه. المشكلة التي يصفها كثيرون بالباب الرسمي “للسرقة بقانون” في المؤسسات العامة، فماذا إن كان الإصلاح الخارجي في منشأة ضخمة تصل كُلف إصلاح الآليات والمعدات فيها لأرقام خيالية تفوق التصور؟!

بداية القصة

تبدأ القصة بتاريخ 20/6/2012 حين أحدثت الإدارة السابقة للشركة العامة لمرفأ طرطوس مكتب إشراف لصيانة وإصلاح واستثمار الآليات ضمّ خبرات علمية عديدة من مهندسين وفنيين عملوا بكفاءة وجهد، وهو الأمر الذي تعتمده معظم الشركات الكبرى عندما تقوم بتأهيل كوادرها وتدريب فنييها للاعتماد على قدراتها الذاتية، هذا الأمر أنتج حينها نجاحاً في العمل، وتوفيراً للمبالغ المهدورة، وأُبعد التهالك السريع عن الآليات الناجم عن سوء الاستثمار بعد مطالبات بإيقاف الإصلاحات الخارجية “الكارثية” على المرفأ.

“كان واضحاً بحسب ما وصلنا من معلومات أن المرفأ يمتلك أفضل المعدات اللازمة لإجراء الإصلاحات بشكل ذاتي وهو ما يوفر مئات الملايين على الشركة فضلاً عن إطالة عمر الآليات”، وبحسب المعلومات المتوفرة لم يمنع ضعف تعاون مديرية الشؤون الفنية التي تملك ما يقارب 300 مهندس وفني التقدم من قبل المشرفين على مكتب الإشراف والصيانة بكتب مطالبة لإيقاف جميع طلبات الإصلاح الخارجي، ورفض التذرع بمقولة أن الفنيين غير قادرين على الإصلاح في المرفأ، وهو أمر معروف لدى الجميع ومدعم بالوثائق التي حصلت الصحيفة على نسخة منها “قرار إنشاء المكتب والمهام الموكلة إليه”.

ثبات الحال.. محال !

في اجتماع عقدته إدارة المرفأ بتاريخ 24/7/2013 مع أعضاء مكتبها الفني استمعت فيه إلى شرحهم المفصل عن التوفير الحاصل، وتقليل الهدر الذي كان قبل إنشاء المكتب، وضرورة الابتعاد عن الإصلاحات الخارجية نظراً للوفر الهائل الذي يعود على الشركة، إضافة لمعلومات قدمها الأعضاء أثناء الاجتماع عن إصلاحات خارجية “وهمية” تتم في الشركة. تمّ الثناء على عمل وجهود المكتب في إصلاح الآليات، ووُعد أعضاؤه بتوسيع ملاكه وهو ما كان واضحاً في محضر الاجتماع الذي حصلنا على نسخة منه، وفي محضر الاجتماع أيضاً كانت هناك إشارة للحالة الفنية السيئة جداً للآليات في الشركة.

لاحقا.. فاجأت إدارة المرفأ بشكل غير متوقع أعضاء مكتبها الفني بقرار إيقافه عن العمل بتاريخ 1/8/2013، ونقلت جميع العاملين فيه إلى مديريات أخرى، وبررت الأسباب أن المكتب محدث من خارج الهيكل الإداري للمرفأ إضافة لأسباب إضافية تبقى أياً كانت ضعيفة في ضوء الأهمية الموكلة لهذا المكتب وما قام به من إصلاحات في الفترة التي كان قائماً فيها، فلماذا كان كل ذلك؟!

الروافع المعطلة نموذجاً

بتاريخ 29/7/2013 قام المكتب الفني بإعداد دراسة فنية – حصلنا على نسخة منها- لإصلاح ثلاث روافع كبيرة كانت معطّلة في مرفأ طرطوس، شملت الدراسة أيضاً كل الآليات الأخرى الموجودة، وأوضحت وجود صيانة وهمية وسوء استثمار تسبب في الأعطال القائمة، إضافة لوجود قطعة من إحدى تلك الروافع في الإصلاح الخارجي يجب إعادتها للمرفأ وإصلاحها داخلياً، وهو أمر ممكن بإمكانيات المرفأ الذاتية ومن شأنه تجنب نتائج سلبية عديدة. جزء من إشكالية الروافع نوع “اللبيهر” كان قد أثير سابقاً وأثار سجالات عديدة، وهو ما تابعناه باهتمام مع كل التفاصيل والردود المتعلقة به؛ قبل أن نعلم قصة رافعة أخرى من نوع كولد فوت رقم 19 قدرة 20 طناً لا تزال حتى تاريخ إعداد هذه المادة معطلة ومتوقفة عن العمل في المرفأ، بعد أن تم إصلاح “رولمانها” (القطعة المعطلة) خارجياً بكلفة قاربت كما علمنا المليون ليرة دون العمل بمضمون الدراسة المقدمة أو الالتزام باقتراحاتها المخالفة، فكانت النتيجة كارثية حيث عملت الرافعة 3 ساعات فقط وتعطل الرولمان مجدداً، ما أدى إلى توقف الرافعة، والسؤال المطروح حالياً: من أين ستُدفع أجرة تعطل رافعة من هذا النوع عن العمل لأكثر من تسعة أشهر خاصة أن هذه الرافعة كما علمنا هي رافعة عملاقة وأجرها مرتفع جداً، ومن أين ستُدفع أيضاً أجرة الفنيين والعاملين الذين قاموا بفك هذه الرافعة وإعادة تركيبها دون الحصول على النتيجة المطلوبة؟!.

إدارة المرفأ وأسئلة معلقة

توخياً للموضوعية وعرض وجهات النظر المختلفة توجهنا بكتاب رسمي لإدارة مرفأ طرطوس نسألهم فيه عن قصة رافعة “الكولدفوت” المعطلة لأكثر من تسعة أشهر، ولماذا تم إصلاحها خارجياً بخلاف دراسة قدمت سابقاً حولها. مع أسئلة إضافية حول الوضع الفني العام للآليات الموجودة في المرفأ، والمبالغ التي تُنفق سنوياً على عمليات الإصلاح والصيانة والآلية المتبعة في عمليات الإصلاح، ومن النقاط التي كنا نرغب بتوضيحها على لسان إدارة المرفأ تساؤلات عن خطط بإمكانية تزويد المرفأ بآليات جديدة، وأسئلة عن إمكانية رفع سوية العمل في هذه المنشأة لتكون في طاقتها القصوى عند الضرورة خاصة مع الإقبال على مرحلة جديدة من إعادة الإعمار تتطلب ذلك. للأسف اعتذرت إدارة المرفأ عن الإجابة، وكانت الحجة بعد اتصال هاتفي مع مديرها العام للاستعلام عن مصير الأسئلة المُرسلة عبر الفاكس أن طريقة الأسئلة تخفي انحيازاً واضحاً واتهاماً ضمنياً للإدارة وهو أمر غير مقبول ويستدعي عدم الإجابة. رغم حقيقة أن أي سؤال تجيب عنه الإدارة هو بحد ذاته لتجنب أي انحياز أو عرض وجهة نظر دون أخرى، فالإجابات التي كانت ستُقدم في هذا الخصوص كان من شأنها دعم رأي الإدارة وعرض وجهة نظرها التي ننتظرها.

 آليات متهالكة والحل شرقاً

بالعودة إلى موضوع الدراسة الفنية “المُهملة”، والتي كانت قد عرضت واقع الآليات والروافع المعطلة في مرفأ طرطوس، هناك جزء آخر منها يعرض واقع باقي الآليات مع التوصيات المُقدمة بشأنها جاء فيه: عصب المرفأ الرئيسي هو الآليات، وخصوصاً الثقيلة منها، وجميع هذه الآليات عمرها يتجاوز الـ 7 سنوات وعملت على مدار 24 ساعة ، وبعد هذا العمر من العمل والاستهلاك المفرط لهذه الروافع سيكون من الصعب جداً جعل المرفأ يعمل بطاقته القصوى لأن هذا الأمر من شأنه انهيار هذه الروافع سريعاً، وعليه فإن العمر الافتراضي للآليات الثقلية قد انتهى وتجديد أي رافعة يمكن أن يكلف بحد ذاته ثمن رافعة جديدة، وهو خطأ كبير خاصة في مثل هذه الظروف، إضافة لما يرافقه كل ذلك من حالات إصلاح وهمي.

كما أوصت الدراسة في نهاية تقريرها ضرورة التفكير الجدّي بالتوجه شرقاً لدول صديقة مثل (الهند وروسيا والصين وغيرها) لتأمين حاجة المرفأ البديلة من معدات ثقيلة تعمل وتتوزع على الأرصفة وفي الساحات، علماً أن جودة الآليات في تلك الدول لا تقل عن نظيرتها الأوروبية لكنها كانت مفضلة لدى البعض – بحسب الدراسة- نتيجة العمولة التي تقدمها تلك الدول بخلاف الدول الشرقية والآسيوية، ورأت الدراسة أن الوقائع أثبتت سوء التجربة مع الدول الأوروبية خاصة في ظل تمنعها عن إرسال قطع التبديل بحجة العقوبات، وختمت: يجب العمل على هذا الموضوع سريعاً والتوجه لتجديد الآليات لأنه إذا بدأ العمل في المرفأ بطاقته القصوى سيكون الفشل حليفنا بالوضع الحالي!!.

كفاءات علمية مهمشة.. ونداء

ربما يحق لنا أن نتساءل أيضاً في الختام عن مصير كفاءات علمية هُمِشت في المرفأ بعد حَلْ المكتب الفني ونقل العاملين فيه، خاصة حين نعلم أن مدير مكتب الإصلاح الفني، وهو دكتور مهندس ،لم تكفه خبرة ثلاثين عاماً متوجة بتقديرات ومؤلفات وبراءات اختراعات كثيرة لرد عقوبة إنذار وجهت إليه من قبل إدارة المرفأ. عقوبة تنبيه سببها المباشر عدم احترام المرؤوسين في العمل تلت نقله إلى إحدى المديريات المُهمشة وفق ما علمنا، قصة الدكتور المهندس قرأناها على الكثير والكثير من الصفحات الوطنية في مواقع التواصل الاجتماعي “الافتراضية”، ولمسناها واقعاً بعد مقاطعة المعلومات والحقائق التي لا نرجو بعرضها الضرر أو التشهير بجهة على حساب أخرى، كل ما نبتغيه هو النهوض بمنشأة وطنية تغدو أقوى وأكثر منعة حين ترفع الحصانة عن المخطئين فيها، فالمحنة الحالية تتطلب عملاً جدياً، عملاً يكون الوطن وحده من ننحاز إليه لأنه الأغلى والأبقى والأكثر تفضيلاً من أي اعتبارات أخرى.

البعث -محمد محمود