سلايدسورية

عناصر القوة في إستراتيجية الرئيس بشار الأسد

كتب “كيرغوت لي” في موقع “أغورافوكس” الالكتروني الفرنسي تحليلا استراتيجيا من منظوره كصحفي متابع عن الأزمة السورية الراهنة يتعلق بالاستراتيجية التي اتبعتها القيادة السورية ممثلة بالرئيس بشار الأسد لمواجهة الحرب على سورية.

فيقول “لي”: «المواجهة التي تحتدم أمام أنظارنا في سورية منذ أربع سنوات سيصار إلى درسها مستقبلاً بالتأكيد في مدارس الاستراتيجيا لشدة ما هي غنية بالدروس والعبر، فهي تجمع في مكان واحد ووقت واحد وفي ما يشبه قصص المآسي الإغريقية، ولكن على مستوى الدول، فريقين متناحرين أساسيين أحدهما لا يقترف أي خطأ، بينما الآخر لا يفعل غير اقتراف الأخطاء».

يضيف “لي”: «أين يمكننا أن نجد بلداً صغيراً لا تزيد مساحته عن 180 ألف كلم مربع، وسكانه عن 22 مليوناً، لا يكاد يزيد في هذا عن البرتغال ومع هذا، يقف صامداً أمام القوة الأولى في العالم وجميع السائرين في ركابها ممن عاهدوا أنفسهم على سحق هذا البلد، بمعية جحافل من الهمج القادمين من أربعة أقطار العالم ليقاتلوا تحت رايات الإسلام ؟».

يشدد “لي” في مقاله أن: «بشار الأسد لا يسدد منذ البداية غير ضربات موفقة، إنه يعتمد استراتيجية هي غاية في الذكاء، لا تسقط في أي فخ، وتنتبه لكل ما ينصب لها من حبائل.

في أساس هذه الاستراتيجية، بضعة أفكار بسيطة يتم تطبيقها وتمكن بشار الأسد أولاً من البقاء مرفوع الرأس فوق الماء، وتسمح له ثانياً بالتقدم نحو النصر».

من ثم ينتقل “لي” إلى تعداد عناصر قوة الرئيس بشار الأسد، وهذه لائحة بالعناصر الضرورية والكافية لتحقيق انتصار سورية:

*أولاً: استعلام جيد وتحليل جيد

في العلم الجيوسياسي، الاستعلام هو استخدام البصر، وبدونه يكون الإنسان ضريراً، لا غنى عن الاستعلام في وضع استراتيجية منتصرة.

القيادة السورية أدركت الحقيقة منذ خروج التظاهرات الأولى عام 2011، أدركت أن تلك التظاهرات ليست تظاهرات مسالمة كتلك التي يمكن أن نشاهدها في أوروبا، بل محاولة منسقة من أجل إسقاط السلطة عبر التلاعب بالرأي العام أو على سبيل المثال، عبر أنشطة كتلك التي مورست في أوكرانيا حيث قامت أعداد من القناصة بإطلاق النار لإجبار الحكومة على الرد، وبالتالي لاتهامها بالقتل.

وسائل الإعلام في الغرب روجت لنا خرافة التظاهرات السلمية التي قمعت بشكل دموي من قبل سلطة شيطانية، وهذا القمع أدى إلى تجذر المعارضة. إنها خرافة بالتأكيد، إذ إن إسقاط القيادة السورية كان هدف التظاهرات منذ البداية، ولتحقيق هذا الهدف، كان الإسلاميون المتشددون هم من يشكل الوسائل المتوافرة، كان على سورية أن تعلم ذلك وقد علمت ذلك وهنا تنتهي القصة.

*ثانياً: تصميم لا يتزعزع

منذ اللحظات الأولى كان تصميم القيادة السورية كاملاً، فقد بدأت الاضطرابات في شباط وفي أواخر آذار 2011، أعلن الرئيس بشار الأسد أن ما يجري هو مؤامرة على سورية، كانت هوية التحرك واضحة تماما، ومنذ بداية الأزمة كانت إرادة سورية في منتهى الصلابة، ومنذ البداية حازت القيادة السورية المصداقية في نظر جميع “الأقليات” التي سيستهدفها الإسلاميون فيما بعد، وبهذه المصداقية ضمنت القيادة لنفسها دعماً شعبياً محدوداً ولكنه حقيقي، على ما أظهرته مظاهرات التأييد التي خرجت منذ بداية الأزمة، وهنا لا بد أن نلاحظ أن القيادة السورية قد استمدت القوة من خصومها أي من الفتاوى التي أطلقت باسم الإسلام ودعت إلى قتل “الأقليات” والتي ساعدت هؤلاء على اختيار الصف الذي يتوجب عليهم أن يقفوا فيه.

ولا بد من الملاحظة هنا أن المسافة بين الحكومة السورية التي قاربت الواقع بشكل صحيح جداً والديبلوماسيين الغربيين، الفرنسيين بشكل خاص، الذين مارسوا التسميم الذاتي عندما طبلوا لمقولة “النهاية القريبة للقيادة السورية”، كان ذلك في العام 2012 وقد وصلنا إلى العام 2015 ولم يحدث ذلك.

*ثالثاً: المقدرة على تجميع القوات وتعبئتها

إذا كان بشار الأسد قد امتنع، عن حق، عن تقديم أي تنازل للإرهابيين، فإن ذلك لم يمنعه في الوقت نفسه من تهيئة أرضيات للوفاق في سورية والخارج، مع كل من يمكن أن يكون حليفاً ممكناً.

مثال على ذلك : في نيسان 2011 أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من بداية الأحداث، وفي الوقت الذي كان يقوم فيه أشباه الصحافيين الغربيين بتهجئة سخافاتهم الاعتيادية حول “الدكتاتور الشرير” الذي يحارب الديموقراطيين اللطفاء، كان بشار الأسد يعيد إلى 300 ألف كردي جنسيتهم السورية، وخلافاً لما كتبته في تلك الفترة صحيفة ليبراسيون التي لم تفهم شيئاً كعادتها، لم يكن ذلك تنازلاً منه، بل على العكس من ذلك، كان تعزيزاً لمعسكره من خلال إقامة تحالف أساسي، وهنا ايضاً ومع محافظتي على التهذيب فإن غباء خصوم الأسد الذين حولوا هؤلاء الأكراد إلى أعداء لهم قد أفضى إلى تعزيز مواقع سورية الأسد.

ولا بد من أن نلاحظ أيضاً الفارق بين سورية التي تعيد إلى الأكراد جنسيتهم، وبين بعض بلدان الناتو، وهي (دون ذكر الأسماء) بلدان البلطيق، التي ترفض منح جوازات سفر إلى الناطقين باللغة الروسية مع أنهم من مواليد تلك البلدان! صحيح أن ذلك لا ينطبق في ليتوانيا مثلاً إلا على 44 بالمئة من السكان! كما أغض الطرف عن حالة أوكرانيا التي أدى بها ذكاؤها إلى منع استخدام اللغة الروسية! ومع هذا، فإن هؤلاء كلهم لا يترددون في إعطاء الدروس لغيرهم!

*رابعاً: سياسة براغماتية تستخدم أوراقها الرابحة بشكل جيد

وعلى ما يقوله ليتواك (Luttwak) في كتابه الذي يحمل عنوان “الاستراتيجية العظيمة للإمبراطورية البيزنطية”، فإن عملاً مأساوياً كبيراً يمر على الأقل، لا من خلال التحالفات بل من خلال حيادية كريمة تمارسها قوى العالم المحيط بكم.

فقد كان من الحيوي جداً بالنسبة لسورية بقيادة الرئيس شار الأسد التي تخوض مواجهة مع الولايات المتحدة وأذنابها، إضافة إلى عدد من البلدان العربية وإلى قوة إقليمية كبرى هي تركيا، أن تجد حلفاء لها أو على الأقل أن تستفيد من حيادية القوى الأخرى الوازنة، وقد نجحت دمشق في ذلك وهذا ما مكنها من تفعيل تحالفها مع طهران وكذلك مع روسيا حيث ردت إليها الجميل عندما ساندتها في قضية القرم والواضح هنا أن الوفاء مفيد في السياسة الدولية.

أما بالنسبة لبلدان أخرى كالصين، لم يكن على سورية غير أن تقدم حجة تجاوبت أصداؤها حتى وصلت إلى بكين وهذه الحجة هي الشرعية، نعم فحكومة جمهورية الصين الشعبية هي حكومة محافظة فوق العادة في مجال السياسة الخارجية، إنها لا تحب التغيير والفوضى خصوصاً عندما يكون الأميركيون هم من يقفون وراء ذلك، وهكذا لم يكن على دمشق إلا أن تلعب ورقة الشرعية وأن لا تقترف أي خطأ في هذا المجال وقد نجحت في ذلك، ولأن دمشق قد ضمنت تحالف إيران وروسيا وحيادية الصين، فقد نجحت في تجنب التعرض للحصار.

يمكنكم هنا على سبيل النكتة أن تأخذوا ما يلي بعين الاعتبار: لو كان أحدكم ديكتاتوراً أو “رئيساً مهيباً” من رؤساء العالم الثالث أو العالم العربي، فإن من الأفضل له أن يعتمد على دعم جهة من نوع فلاديمير بوتين لا من نوع الغربيين، ولكي يقتنع بذلك لا يكون عليه إلا أن يقارن بين مصير زين العابدين بن علي وحسني مبارك من جهة، ومصير بشار الأسد من جهة ثانية، ذلك يثير الضحك عندكم لكنه لا يثير الضحك عند السيسي الذي يبدو أنه قد فهم الدرس وبدأ بمغازلة بوتين. !

*خامسا: العمل في العمق وبطريقة اقتصادية

هنا تبدو استراتيجية سورية في القرن الحادي والعشرين شبيهة باستراتيجية الإمبراطورية البيزنطية القديمة، فسورية لا تمتلك إمكانيات كبيرة ولا جيوشاً جرارة، لذا فإنها تقتصد عبر تجنب المواجهات المباشرة واعتماد أعمال التطويق وحرب العصابات المضادة، خارطة العمليات واضحة، نلاحظ مثلاً أن القوات السورية تحاصر المتمردين بانتظار أن تسقط الجيوب التي يحتلونها كثمرة ناضجة وبأقل الخسائر الممكنة، من هنا لم يبق للمتمردين غير بعض المساحات المحاذية للبلدان التي تساندهم أي لتركيا وإسرائيل اللتين لن تتدخلا بشكل مباشر، ما يعني أنه من الطبيعي لتلك الجيوب أن تسقط بدورها.

في الوقت نفسه لا يمكن للرئيس بشار الأسد إلا أن يحقق فائدة من قصف قوات التحالف الدولي لمواقع تنظيم داعش، وبهذا يكون أولئك الذين عملوا منذ أربع سنوات على إسقاط سورية قد أصبحوا منشغلين إلى حد ما ببعضهم البعض.

*سادساً: سادسة الأثافي: الأسد يتحكم أيضاً بلعبة الإعلام

على ما قاله لي صديق لبناني ليس في الحروب الأهلية أشرار من جهة وأخيار من الجهة الأخرى والغرب ليس الوحيد الذي يتحكم بالإعلام، فقد تمكن الرئيس الأسد من التأثير على الجميع في العالم من خلال تشديده على فكرة أن ” الحرب لا يمكن أن يربحها أحد”، مؤدى هذه الفكرة التي عاد بها نوابنا الأربعة بعد زيارتهم لدمشق أنه لن يكون هنالك غالب ومغلوب في سورية. والواقع كما سبق وأكدت أعلاه أن الرئيس السوري هو الآن بصدد الانتصار في تلك الحرب، ولكنه بتشديده على تواضع انتصاره من خلال التظاهر بأنه لم ينتصر في الحرب، يتجنب رد فعل قد يأتي في اللحظة الأخيرة من قبل خصومه وفي مقدمتهم الأميركيون الذين قد يلجأون إلى تدمير جهوده وتوجيه قنابل الناتو إلى سورية، فأن تتظاهر بأنك الطرف الأضعف هو أيضا جزء من فن الحرب.

وينهي الكاتب بالقول: «لكل هذه الأسباب فإن بشار الأسد يعطي اليوم درساً في الاستراتيجيا للعالم كله والأكيد أن انتصاره سيكون خلال العقود المقبلة مادة للتدريس في المدارس الحربية في العالم كله».

الرابط الأصلي للمادة:

http://www.agoravox.fr/actualites/international/article/la-grande-strategie-de-bachar-el-164558