مساحة حرة

مرايا الخوف

لا يوجد ما هو أصعب من الخوف، حتى الموت أقل فاجعة منه، سواء متنا فجأة أو انتظرنا الموت، إن صدمة خبر الوفاة تتلاشى رويدا رويدا وتبقى ذكريات الفقيد.. وما يجمعنا به هو “فلاشات” صغيرة تبدو بعيدة وأحيانا كثيرا مضحكة. كذلك الجوع والحرب والمرض والنسيان تقودنا إلى بدايات أو نهايات جديدة أما الخوف فهو أبشع من القتل، قد ننسى سبب الخوف أو قد نهمله في ذلك الصندوق العجيب الذي يسمى “الماضي” لكن أعراض الخوف وهمومه ودقات القلب الموجعة المتباطئة التي تسد الحلق وتخنقه لا تنسى. الخوف يعود في كل مرة يذكر فيها حدث أمامنا يشبه خوفنا القديم المخزن جانبا الذي يظهر لنا وكأنه يقول لنا: “أنا هنا.. لن أفارقكم”.
ما أسعدنا بمقاربات ورؤى وأشخاص جدد في حياتنا بعد حتمية الخوف التي ابتلعت أجسادنا وانتهكت حرمات قلوبنا ومصت روحنا فلم يبق منا إلا أشلاء ذكريات مترامية الزمان والمكان، ولكن كل إنسان عاش الخوف لا يستطيع عيش حياة جديدة ملؤها السعادة، مثل الذين ارتدوا معاطف سميكة بعد برد قارس، وهم ينعمون بالدفء يتذكرون البرد الذي نخر عظامهم وسكنها، حتى احتساء قنينة فودكا روسية لا تنسيك البرد، فهي على العكس تماما، تجعلك تنتشي لتعبر عن فرحك بالدفء بعد هجمات البرد الإرهابية.
ربما هناك نوع بشري حيواني بالمعنى الحقيقي، قادر على شم رائحة الأدرينالين الذي تفرزه الغدة الكظرية نتيجة الاستجابة للخوف، يدرك هذا النوع كما الحيوانات أنك خائف فيهاجمك ببساطة ودون تردد، وللمصادفة العلمية الكئيبة أن الأدرينالين يحفز هذه الغدة الغبية نفسها على إفراز الكورتيزون الذي يزعم أنه يزيد من سرعة دقات القلب وما يصاحبها من ارتفاع للضغط الدموي، وهو ما سيؤدي بك حتما للموت أو على الأقل الشلل أو الجلطة القلبية أو الدماغية أو العمى..
الخوف هو بدايات الانتحار أو القتل أو الحروب. كنا نتمنى أن يبقى الخوف ذلك الانفعال الجميل الذي يدفعنا لنكون أفضل، فنحمي من نحب ونحترم بعضنا ونقدم الأجمل ولكن الخوف الذي يعيشه الإنسان اليوم ويلازمه فراشه هو حالة تفقد المرء حتى وعيه، فيصبح متنقلا بين أنواع الخوف وتجلياته وكأنه يجلس في قطار الملاهي.
إننا نعيش الخوف يوميا بل كل دقيقة، منا من يرمي مخاوفه في سلة بيته ويخرج للبحث عن وسيلة للدفاع عن نفسه، وعمن يحب، بطرق سليمة وشرعية ومنا من يسلك الطريق الخطأ للتصدي لتلك المشاعر البشعة.. نحن لا نجد تعريفا أكاديميا يفي الخائف حقه من هذه الحالة، يجّملونه ويدعوّن أنها وسيلة للدفاع تدفع الخائف لتجنب المؤثر أو الدفاع عن نفسه، لتحقيق التوازن والعودة إلى الحالة السوية، لا يعيش الخائف الرهاب أو الخوف العصابي لأنه جبان بل لأنه لم يجد ما يدفع عنه الأذى..
فوق الوحل وبينه هي أحلامنا وحتى واقعنا، قد يقول البعض أننا نقاوم أو صامدون حين نواجه عدونا حتى وإن خفنا منه، ما الذي يدفعنا للخوض في معارك مفروضة علينا، هل هو القدر أم الضعف أم الحسابات السياسية التي تتجاوزنا أو نتجاوزها نحن فتلحق بنا دون إرادة منا؟!!
خفتم كثيرا وارتعدت مفاصلكم وأصبتم بالأرق وتحولت حياتكم إلى جحيم، وماذا بعد هل تبخرت مخاوفكم؟ لا ..مصادر الخوف التي نتحدث عنها وتشغل بال الإنسان حقيقة ليست المرضية التي تعالج عند الأخصائي النفسي كفوبيا المصعد والأماكن المرتفعة أو “الغول أو البعبع” بل عن الواقع، كالحرب والفقر وكل ما يهدد حياة الإنسان في كرامته ودمه وروحه وماله ووظيفته وعائلته، الهروب الذي ينتقدك البعض لأنك اخترته خوفا من مواجهة الخطر هو بالنسبة اليك صعب ولكنه “أمر من المر” كما يقول المثل العامي، ولكن مواجهة الخطر نجدها عند قلة من الناس ومن الشعوب. قد يموتون كل لحظة وهم يعيشون أو يجلسون قبالة المؤثر، وهو ما يسمى بالاستسلام فيتعرضون للترهيب والتهديد أو يصمدون ويواجهون هذا المؤثر فيدافعون عن أنفسهم فإما الشهادة في سبيل مبادئهم أو التعرض للأذى والانتصار وإن كان مصحوبا بالخسائر ولكن بالنهاية خلقت طائفة جديدة من البشر لا تخشى الخوف.
الحياة واحدة وإن تغيرت أقدارنا فيها، فلنعشها بكرامة.. استعينوا بالدول كأمثلة .. لا تكونوا تابعين فتذلوا كونوا أصحاب قرار وإن كنتم فقراء في العدة والعتاد.. فلنكن كلنا أحرار في هذا العالم.
سلوى حفظ الله