ثقافة وفن

عبــــور هــــادئ

هل يمكن التوقف عن وضع الإصبع على الجرح يوماً؛ إلّا أن يَشفى؟
هل يُعقل أن تُغمَض العين أمام الخطأ؛ صغيراً أتى أم كان بحجم جريمة؛ إلّا أن تتمّ العودة عنه؟!
حَفِل العام الماضي بالعديد من النشاطات الثقافية والفنية؛ التي رعتها وأحيت أمسياتها فرق أو فنانون عرب داخل الضّفة الفلسطينية، جميعها تمت دون ضجيج يذكر، حتى أن حدوثها بات غير مستغرب، بل هو أقل من عادي بالنسبة للكثيرين! يعني أن الأمر بات “طبيعياً”. بحجة أنها أتت كنوعٍ من دعم الفلسطينيين، لا بل إن الغالبية منهم أصبحت تَحسبه نوعاً من أعمال “الكفاح السلمي” ضد الاحتلال، وأن دخول المناطق الفلسطينية هو “فعل مقاوم” لدعم السيادة عليها؛ متناسين أن أي زيارة لا يمكن أن تتم، ولا يمكن لقدم أن تخطو داخلها، إلّا بعد موافقة كاملة من سلطات الاحتلال، و”وصمة” من ختمه؛ على جواز السفر.
المقلق في الأمر هو هذا العبور الهادئ والصامت للزيارات والزوار الذين تتنامى أعدادهم، ، هاهي بصمت ينطوي على الرضى والقبول عبرت زيارة فنان عربي كبير ل هاني شاكر؛ سبقتها زيارات سواها، دون أن تثير أي استنكار أو احتجاج يذكر، عاد بعدها متباهياً بوسام تكريم معلقٍ على صدره، تحت ستار من أطياف الحجج؛ من النوايا الطيبة والداعمة، والتواصل مع الداخل، إلى إنهاء العزلة، وقد غاب عن الذهن؛ أن كسر العزلة لا يتم بمنح القاتل “السماح” وصكاً يشرع وجوده، ويكرس بقاءه، وأن اللقاء الوحيد بيننا وبين المعتدي هو “اتصال الأعداء بالأعداء” وهذا لقاء مشرّف بلا شك، يعود من خلاله الحق لأصحابه، أو فإن أزمنة الانتظار ستطول وتطول.
أخشى ما نخشاه أن على حنظلة الوقوف شابك اليدين خلف ظهره طويلاً، يرقب بحزن كيف يدفع اليأس بالرجال الكبار للبكاء؛ إذ أعيتهم الحيلة أمام حياة أطفالهم؛ تتسرب من بين أيديهم، التي كبلها العجز عن حمايتهم، فلا هم قادرون على تأمين دواء يخفف الآلام، ولا هم بقادرين على اجتياز حصار الجوع والبرد والسلاح، المفروض عليهم، في العديد من المناطق التي لا تشكل وجهة أصحاب الحجج والنوايا المغلفة بالطيبة.
أيّها الطفل الذي أعياه الانتظار، يا حنظلة، إلى حين نعي الأمر، أشك أن عليك الانتظار أيضاً وأيضاً؛ كي تستطيع تجاوز حصار سنواتك العشر، وأن علينا بذل الدماء أكثر وأكثر كي نرى الفرح يعلو قسمات وجهك التي لا نعرف.

دمشق- بشرى الحكيم